السؤال
المعروف عني أني محترم وأني أوقر جميع الناس الغريب قبل القريب، إلا أن أبي لا يفهمني رغم أني واضح معه، ويعتقد أني ولد عاق رغم أنه حين يحتاجني مهما كانت المشاكل التي بيننا أقف بجانبه، إلا أنه يسيء معاملتي ويهين كرامتي وإذلالي أمام أخي الأصغر مني والذي لا أثني عليه، ولكن كل الذي أعمله هو نصحي له، إلا أنه -أي: أخي- يديم سبي وتهديدي بألا أنصحه حتى لا يغضب من كلامي، فبدأت أتجنبه، إلا أنه رغم مقاطعتي له بدأ يعاملني بسوء ويهين كرامتي، فما كان مني إلا الرد عليه فيهينني أكثر وأكثر، وعندما يطرح الأمر على أبي يذكر أنني أنا المخطئ، فأسأله: لماذا؟ فيجيب علي أني البادئ بالإساءة، وأن البادئ هو الأظلم، فأذكر بأنه هو الذي يتحدث معي بأسلوب غير لائق، وقد كان من الضروري أن أرد عليه حفظا لكرامتي، وقد تحدثت معه كثيرا بأنني لا أريد أن أتحكم بك ولا غير ذلك، كل الذي أريده منك هو أن تتكلم معي بشكل لائق، فهل هذا صعب؟ فيحكم أبي بيننا بأن الأفضل أن تتقاطعوا، فإن أبي يخاف عليه مني رغم كلامي مع أبي بأن هذا أخي وأنا أحبه ولن أقبل أذيته أبدا، ولكن دون جدوى، لدرجة أنه مرة من المرات قام بطلب بوليس النجدة لأخذي لأني أتشاجر مع أخي، رغم أني لم ألمسه، ولكن كل الذي أعمله دائما معه هو ترهيبه حتى لا يسيء معاملتي؛ ولأنه يديم سبي بأفظع الألفاظ، وقمت أكثر من مرة بالتوضيح لهم أن الذي أعمله هو ترهيب حتى لا يسبني بهذا الشكل، وخصوصا أن أبي يقف في صفه ويقويه علي.
ملحوظة: أخي عمره (22) سنة، أي: مدرك لتصرفاته، فما الحل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك (إسلام ويب)، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - العلي الأعلى - بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يصلح ما بينك وبين والدك، وأن يصلح ما بينك وبين أخيك، وأن يجعل علاقتكم علاقة طيبة قائمة على التفاهم والوئام والتقدير والاحترام، وأن يصرف عنكم كيد شياطين الإنس والجن؛ إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – من أنك إنسان محترم وأنك توقر الجميع الغريب قبل القريب، إلا أنك تشعر بأن والدك - حفظه الله – يفهمك فهما غير صحيح، ويتفهمك بأنك ولد عاق، رغم أنك تقف معه مواقف رائعة، ولم يبدر منك أي عقوق بالنسبة له، إلا أن المشكلة أنه يميل إلى أخيك أكثر منك ويحاول أن ينصره عليك ويقف في صفه دائما، ويتهمك بأنك أنت الغريب وأنك أنت القاسي وأنك أنت الذي تسيء معاملته، وأنك أنت المخطئ، وكلما حاولت الإصلاح وقف في وجهك، ويتهمك باتهامات غير لائقة، ويسمعك عبارات غير طيبة، ويشعرك فعلا بأنه يميل لأخيك ويفضل أخاك عليك، رغم أنك حاولت مع أخيك بالخير والمعروف وحاولت نصحه بهدوء إلا أنه لم يقبل منك النصيحة، ودائما يتهكم عليك ويهزأ بك ويسبك، ويسمعك ما تكره، إلى غير ذلك.
أقول لك - أخي الكريم الفاضل - : إنه مع الأسف الشديد أن بعض الآباء يعلق على عينيه نظارة سوداء، لا يرى من خلالها الأشياء إلا مظلمة وقاتمة السواد، وهذا مع الأسف الشديد موجود، فصفات والدك – غفر الله له – متوفرة في بعض العائلات وبعض الأسر، وبلا شك تترك معاناة قاتلة للأفراد الطبيعيين الذين يشعرون بهذا الظلم وهذا الجور، فوالدك أحد هؤلاء، وأنا أقول: لا أملك حقيقة أمام تصرف والدك إلا أن أقول لك: كان الله في عونك، وثبتك الله وسددك الله.
فحاول - أخي الكريم الفاضل – رغم إساءة والدك أن تتلطف معه إلى أقصى ما تستطيع، لأنك تعلم أن مقام الوالد مقام خطير في دين الله تعالى، وأن الله تبارك وتعالى حدد لنا كيف نتعامل مع الوالدين، وكيف نتكلم معهما، كما لا يخفى عليك قوله تعالى في سورة الإسراء: (( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ))[الإسراء:23-24]، وقال أيضا: (( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ))[لقمان:15].
ولا يخفى عليك - أخي الكريم الفاضل – موقف الخليل إبراهيم عليه السلام مع أبيه، عندما كان يقول: يا أبت، يا أبت، يا أبت، برفق وتلطف وعطف وحنان، وشفقة وتقدير واحترام، ورغم ذلك كان والده يرد عليه بعبارات قاسية جدا عندما قال: (( قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ))[مريم:46]، فماذا كان موقف الخليل إبراهيم عليه السلام؟ (( قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ))[مريم:47].
هذه هي أخلاق النبوة أخي محمد، هذه هي أخلاق الأنبياء والمرسلين، هذه أخلاق المؤمنين الصادقين، أن يردوا السيئة بالحسنة، كما قال الله - تبارك وتعالى -: (( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ))[فصلت:34].
ولذلك أنا أتمنى منك - بارك الله فيك – ألا تبادل والدك إساءة بإساءة، وألا تتوقف عن المعاملة الطيبة الحسنة، وعليك بالصبر الجميل.
أما بالنسبة لأخيك فمن الممكن فعلا أن تتجنب الحديث معه حتى لا تحدث بينكما أي مشاكل أو خلافات، ما دامت هذه هي رغبة والدك، وهو من باب أخف الضررين، فلعله بتوقفك عن الحديث معه يعود إلى صوابه ويعرف خطأه، ولعل الرؤية تتضح لوالدك من أنك لا تتكلم مع أخيك مطلقا وأنك لا تسيء إليه، ولعل هذا يعتبر نوعا من العلاج المؤقت، لأني واثق من أنه كما ذكر علماء المنطق أن النتائج تتبع المقدمات، وأقصد بذلك أنه ما دمت قد توقفت عن التعامل مع أخيك ستقل المشاكل، وبذلك سيعرف والدك أن فهمه عنك كان فهما خاطئا، وأنه لم يكن على الصواب عندما اتهمك بالعقوق وأنك تسيء إلى أخيك؛ لأنه يعلم يقينا بأنك لا تتكلم، حتى وإن أساء لا تحاول الرد عليه، وحاول أن تتجنبه قدر استطاعتك في المراحل الأولى، وأن تجتهد في معاملة أبيك، وأنا واثق من أنها ستتغير الأمور في صالحك؛ لأنه كما لا يخفى عليك أن هناك أمورا نستطيع أن نغيرها وهناك أمور يستحيل أن نغيرها، فأنت لا تستطيع أن تغير والدك، كما أني لا أستطيع أن غير أمي، فليس في مقدورنا أن نغيرها بحال، ولكننا نستطيع أن نغير من أنفسنا وأن نغير من تصرفاتنا وسلوكنا، وأن نغير من طريقة كلامنا وتعبيرات وجوهنا، فهذا أمر مقدور عليه.
أما مسألة تغيير الوالد أو التحكم في أخلاقه فهذا صعب جدا كما تعلم، فما عليك إلا الصبر الجميل، والدعاء لأبيك أن يبصره الله بالحق، والاجتهاد في حسن معاملته، لأنك كما تحسن إلى والدك سيحسن أبناؤك إليك في المستقبل؛ لأنه كما ورد: (البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اعمل ما شئت فكما تدين تدان).
أسأل الله لك الثبات والتوفيق، وأسأل الله لك العون والتأييد، وأسأل الله أن يبصر والدك للحق، وأن يرده إلى رشده وصوابه ليقوم بينكما بالعدل والإنصاف كما ينبغي أن يكون.
هذا وبالله التوفيق.