السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا بعمر 27 سنة، ومتزوجة، لدي طفلة، وبفضل الله ملتزمة، وكذلك زوجي، وأغض بصري ولا أشاهد التلفاز أو الجرائد أو المجلات خوفا من أن يقع بصري على شيء لا يحل لي النظر إليه، ولكن إذا وقع بصري بالمصادفة على شخص أو صورة فإني أغض بصري سريعا ولا أكرر النظر، ولكني أتخيل هذا المنظر بيني وبين نفسي، أو مناظر أخرى رأيتها منذ زمن، يزينها الشيطان ويقنعني أن هذا الشخص أفضل منظرا من زوجي، وبالرغم من أني أجاهد نفسي ألا يحدث هذا فإني أعود إليه مرة أخرى.
قال لي البعض: إن هذا الأمر ذنب أعاقب عليه، وهذا الذي أعتقده، والبعض الآخر قال: إنه حديث نفس.
الأمر الآخر أني أحلم كثيرا بأن الله سيعاقبني بهذا الذنب بأن يموت زوجي أو ابنتي أو أخي أو جميعهم، وأنا مؤمنة بأن هذه الأحلام رسالة من الله، فما الحكم في ذلك؟
نسألكم الدعاء بالهداية، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ غزالة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
إنك تمدحين على ما ذكرته في رسالتك هذه، قبل أن يكون فيها ذم أو ما شابه ذلك، وذلك لمحاسبة النفس، وأنت بين عدة أمور، فدعينا نحدد محل النزاع في هذه الاستشارة حتى نتفق على أشياء.
نحن نتفق معك على مجاهدتك ومصابرتك، والله جل وعلا يقول: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، ثم أذكرك بما ذكرنا الله عز وجل به في افتتاح سورة العنكبوت حيث قال: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}، فهذا من الافتتان والاختبار والابتلاء الذي قد يصاب به العبد المؤمن، لا سيما الإنسان المستقيم، فالإنسان المستقيم قد يصاب بهذا الافتتان من منظر أو تخيل أو غير ذلك، ولذلك الله جل وعلا يقول: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به}، فمجاهدة النفس مطلب، والمجاهدة هي جوهر أساسي.
أقف معك هنا الآن في نقاط مهمة، أولا: النفوس ثلاث (النفس الأمارة بالسوء، واللوامة، والمطمئنة) فالنفس الأمارة بالسوء هي التي بدأت تشتعل نيرانها في قلبك، بحيث تذكرك بالصورة والصدفة وما شابه ذلك.
عليك بالنفس اللوامة التي تنور القلب، وفي الحقيقة تبهج الروح، وهي صادرة عن قوة، حتى يرزقك الله جل وعلا نفسا مطمئنة، فالنفس لها قوة في بعض الأحيان ولها ضعف ولها فتور ولها نشاط، ولذلك يقول الله جل وعلا: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية}.
المجاهدة هي أن يجاهد الإنسان نفسه على ما تأمره به من السوء والتخيلات والأوهام، وقد ورد لما جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين أيهما أفضل الذي تحدثه نفسه بالمعصية أم الذي لا تحدث نفسه بالمعصية؟ فقال: إن الذي تحدث نفسه بالمعصية أفضل من الذي لا تحدثه نفسه بالمعصية، لأن الله عز وجل قال: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، فالمجاهدة مرتبتها عظيمة، ولذلك أنت مؤمنة كما ذكرت وتخشين من أن يكون هذا الأمر وسواسا أو حديث نفس أو كذا.
يقول الله جل وعلا، مبينا لنا هذا الأمر عن النفس، قال: {فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها}، فإلهامها في داخل نفوسنا من الفجور أو التقوى، فيتصارع الإيجابي والسلبي حتى تفوز النفس التي زكيت بالطاعة وزكيت بالعبادة.
النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلك الرباط فذلكم الرباط)، وبين أيضا صلى الله عليه وسلم، أن هذا هو الأجر العظيم الذي تحظى به النفوس.
بذلك أوصيك بمجاهدة النفس بمثل هذه الأعمال، وبمثل هذه الوساوس التي قد يدخل بها الشيطان علينا، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقك البر والرشاد والخير والإحسان.
واظبي على ذكر الله، والإنسان إذا حزبه الشيطان بمثل هذا فليذكر دائما قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما أوصى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فقال: (اتق الله حيثما كنت)، واستمري في هذا الطريق، طريق المجاهدة، طريق المصابرة، والله جل وعلا يقول: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا واتقوا الله لعلكم تفلحون}، فستنالين -بعون الله عز وجل- خيرا لا يعلمه إلا الله، فعليك بتقوى الله تعالى في السر والعلن وفي كل شأن من شؤونك، قال تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم} ماذا؟ {أن اتقوا الله}، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك وأن يحفظك سبحانه وتعالى.
وبالله التوفيق.