واقعك يبعث على الخوف ويبعث على الأمل

0 317

السؤال

سؤالي عن القرب من الله، أنا شاب عاص ووالله ما أعلم أحدا أكثر مني معصية، وآتاني الله علما قليلا وذلك بفضله ومنه. والمشكلة هي أن الناس من حولي يحسنون الظن بي، ويقدمونني للصلاة (فقد درست أحكام التجويد على يد مشايخ ووهبني الله صوتا حسنا)، بل ويقدمونني لإعطاء الدروس والمحاضرات وهذه هي المصيبة فأنا أنصح الناس وأحاضر فيهم، بل وأستفتى في كثير من الأمور، المصيبة أنني في هذه السنة طلب مني أن أخطب صلاة العيد، وكثيرا ما يمدحني كثير من الأناس المقربين في المسجد الذي أدرس فيه، ولكن الخطبة في العيد فهذه مصيبة كبرى، فسيحسن الظن بي خلق كثير، وأنا والله لا أعلم أحدا أجهل مني ولا أكثر معاصي مني ولو علم الناس سريرتي لما نظروا في وجهي والله، وأريد أن أعرف هل هذا استدراج من الله أم هي عاجل بشرى، وماذا يجب علي أن أفعل حتى أكون خيرا مما يظن الناس بي وأن أكون عند الله خيرا مني عند الناس ... يا شيخنا والله إن الأمر يؤرقني وأخشى أن أكون أول من تسعر بهم النار أو أن أهلك وينجو الناس كلهم . فأرجو أن تشفوا غليلي. بارك الله فيكم ونفع بعلمكم وفتح الله علينا وعليكم .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمرء إذا كان مقيما على المعصية فإن عطاء الله عز وجل له ما يحبه ويتمناه هو من باب الاستدراج، نسأل الله السلامة والعافية. روى الإمام أحمد في مسنده عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون.

كما أنه قد ورد وعيد شديد فيمن يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه. رواه البخاري ومسلم.

فقولك إنك عاص، وحلفك أنك لا تعلم أحدا أكثر منك معصية، وأن الناس لو علموا سريرتك لما نظروا في وجهك...

ومع كل هذا فالناس من حولك يحسنون الظن بك ويقدمونك للصلاة وإعطاء الدروس، وتستفتى في كثير من الأمور، وتخطب في صلاة العيد... وتمدح كثيرا من طرف الناس المقربين من المسجد الذي تدرس فيه...

نقول: إن هذا الواقع الذي وصفته يبعث على الخوف، فإن الله تعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. { سورة الصف:3،2}.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن شعورك بالذنب، وخشيتك من أن يكون ما أنت فيه استدراجا، وحرصك على معرفة الفعل الذي تكون به خيرا مما يظن الناس بك، وعلى أن تكون عند الله خيرا منك عند الناس... وخوفك وأرقك من أن تكون أول من تسعر بهم النار... هو في المقابل مما يدل على الإيمان، وحسن السريرة.

فننصحك بالتوبة مما ذكرته من المعاصي، وبالإخلاص في عبادتك، والعمل على تقوية الإيمان وبالدعاء بالأدعية التي أرشد إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن خشي من الرياء، والتي منها: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه. ومنها: اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وعمل لا يرفع، ودعاء لا يسمع. رواه أحمد.

ونحو ذلك من الأدعية... ويحسن أن تفعل ذلك في أوقات السحر، مع الإكثار من الاستغفار.

ونسأل الله أن يسلك بنا وبك سبل النجاة، ويهدينا إلى صراطه المستقيم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة