خلاصة الفتوى:
لا تقنطى من رحمة الله وتوبته عليك فهو غفور رحيم، فاصدقي التوبة وأكثري العمل الصالح، وألحي على الله بالدعاء أن يحقق لك طموحك وابذلي الوسائل المشروعة في الحصول على الزواج.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنا نسأل الله أن يرزقنا وإياك توبة صادقة ويفرج همومنا وييسر أمورنا، ثم إننا نفيدك أن الله تعالى قد يعاقب من شاء بما شاء بسبب ذنب عمله لعله يتوب ويرجع، وقد يحرمه من شيء ما بسبب ذنوبه كما قال الله تعالى: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. [الروم:41]. وعلى العبد أن يرضى بقضاء الله تعالى وقدره، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط ، فالابتلاء سنة في الحياة وهو يكون بالشر ويكون بالخير كما قال تعالى: ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون.{الأنبياء35}.
وعليه أن يصبر في حال الشر ويشكر في حال الخير، وفي كلا الحالتين هو رابح فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم وغيره.
فقد يكون البلاء تارة لتكفير الخطايا ومحو السيئات، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من هم، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه مسلم.
وتارة يكون لرفع الدرجات، وزيادة الحسنات، كما هو الحال في ابتلاء الله لأنبيائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل... فلا يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه البخاري.
قال العلماء: يبتلى الأنبياء لتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم فيقتدى بهم، وليس ذلك نقصا ولا عذابا، وتارة يقع البلاء لتمحيص المؤمنين، وتمييزهم عن المنافقين، قال الله تعالى: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين.{العنكبوت:2-3}، فيبتلي الله عباده ليتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم، وليعرف الناس من هم الصابرون على البلاء من غير الصابرين.
وتارة يعاقب المؤمن بالبلاء على بعض الذنوب، كما قال الله تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير{الشورى 30}.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وحسنه السيوطي .
وقد حصل هذا فعلا لأصحاب الجنة المذكورة قصتهم في سورة القلم، فقد عاقبهم الله بسبب تفكيرهم وهمهم بحرمان الفقراء منها فحرمهم الله، ولكنه لا أحد يمكنه أن يعلم هل سبب ما حصل هو معصية كذا ومعصية كذا، لأن هذا الأمر من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.
وعلى المؤمن أن يصبر على كل ما يصيبه من مصائب وبلايا لينال أجر الصابرين الشاكرين، ولئلا يجتمع عليه خسران الدنيا والآخرة، فلا شك أن الدنيا دار بلاء ومشقة وعنت لحكم يعلمها الله، ولعل من الحكم في ذلك أن لا يركن الإنسان إلى الدنيا فيخلد إليها ويظن أنها نهاية المطاف، ولكن إذا كابد فيها فسيتعلق قلبه بدار لا نصب فيها ولا وصب، وسيشتاق إلى جوار الرحمن في جنة الخلد.
وبناء عليه فعليك بالتوبة الصادقة والإكثار من الأعمال الصالحة والاستغفار والقيام بالأعمال المكفرة للذنوب. فإن الله رحيم بعباده يقبل توبة التائبين الصادقين في توبتهم فقد قال الله تعالى : وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون. {الشورى: 15 } وقال الله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم [الزمر: 53-54] .
وقال تعالى: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين[ البقرة: 222]. وقال سبحانه :ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم [ التوبة: 104].
وقال الله تعالى في صفات المتقين: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون {آل عمران135}
وقال الله تعالى: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى.{طه: 82}
وقال تعالى: كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم.{الأنعام:54}
و قال الله تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم. {المائدة: 39}
وقال الله في الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه. وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له . رواه ابن ماجه.
وقال صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. وقال: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. وقال: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وقال: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وروى ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. والحديث حسنه ابن حجر.
فأخلصي التوبة لله وتجنبي الوقوع في الذنوب والزمي الالتجاء إلى الله وسؤاله بإلحاح أن يصرف عنك ما يغضبه وأن يحفظك من شر الشيطان وشر نفسك وأن يعينك على الاستقامة ولزوم طريق الهداية وأن يغفر لك ذنبك السالف ويحقق لك ما تطمحين له من الزواج وغيره .
و عليك أن تبتعدي عن أساب المعصية فتفارقي رفقة السوء التي تزين للعبد المصائب وتجلب له ما يرديه في الآخرة، فاقطعي علاقتك بهم نهائيا وغيري أرقام هواتفك حتى لا يحاولوا وصل ما انقطع ولا يذكروك بالمعصية.
وفي المقابل اتخذي رفقة مؤمنة من الأخوات الصالحات الفضليات، وهم بحمد الله كثير، ففتتشي عنهن واعبدي الله معهن، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
واجعلي القرآن أنيسك واقرئيه بتدبر، واجعلي لك منه وردا منتظما تقرئيه كل ليلة، وأكثري من ذكر الله على كل حال وخاصة الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وبعد الصلوات وعند النوم ونحو ذلك، وتجدينها في كتاب "حصن المسلم" للقحطاني.
واحضري دروس العلم واشهدي مجالس الخير، فإن الله يحبها ويغفر لأصحابها وأكثري من استماع الأشرطة الإسلامية، وخصوصا المحاضرات التالية: توبة صادقة للشيخ سعد البريك، جلسة على الرصيف للشيخ سلمان العودة، واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله. للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، وعلى الطريق للشيخ علي القرني.
واضرعي إلى الله تعالى أن يرزقك زوجا صالحا لتعفي به نفسك عن الحرام. ويمكن أن تعرضي نفسك بواسطة أحد محارمك على من ترتضين دينه وخلقه، واعلمي أن عرض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه لصلاحه، أوفضله أو علمه أو غير ذلك من الأغراض المحمودة جائز شرعا ولا غضاضة فيه. فقد أخرج البخاري من حديث ثابت البناني قال: كنت عند أنس رضي الله عنه وعنده ابنة له، قال أنس: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله ألك بي حاجة ؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها واسوأتاه، قال: هي خير منك، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها. وقد أخرج البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب عرض ابنته حفصة على عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم عرضها بعده على أبي بكر رضي الله عنه وذلك حين تأيمت من خنيس ين حذافة السهمي رضي الله عنه. وقد عرض الرجل الصالح إحدى ابنتيه على موسى عليه الصلاة والسلام المشار إليه بقوله تعالى: قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين.{القصص: 27}.
ولا يمنعنك من زواج من ترتضى أخلاقه فقره فإن الله تعهد بالعون والغنى للمتزوج طلبا للعفة وامتثالا لأمر الشرع، فقد قال الله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم.{النور:32}. وقال أبو بكر رضي الله عنه: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم به من الغنى، قال تعالى: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم. {النور:32}.
وقال ابن مسعود : التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله . وقد نقل ابن كثير الأثرين السابقين عنهما. وفي الحديث: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف . رواه أحمد والترمذي والنسائي وحسنه الألباني.
ولمزيد من الفائدة طالعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18654، 9394، 9694 ، 5450، 29785، 32981.
والله أعلم.