0 122

السؤال

أريد أن أعرف بالأدلة من الكتاب والسنة هل الدنيا في حقيقتها قاسية أم قلوب العباد أصبحت قاسية؟

الإجابــة

خلاصة الفتوى:

الانشغال بالدنيا وطول الأمل فيها سبب لقسوة القلوب، والمؤمن يجعل من الدنيا مطية للآخرة.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالآيات والأحاديث الواردة في بيان الدنيا وذمها كثيرة نقتصر منها على قوله تعالى: اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور {الحديد:20}

وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله عليه وسلم يقول: إلا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما ولاه، وعالم أو متعلم. رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب.

لكن يجب في هذا المقام التنبه إلى بعض الأمور:

الأول: أن الدنيا جزء من العالم الذي خلقه الله، وهذا الخلق أثر من آثار صفاته التي تحقق له الألوهية، خلقه بقدرته وبإرادته وأبدعه بعلمه وبحكمته وبسط سلطانه عليه بالأمر والنهي والثواب والعقاب.

الثاني: أن الدنيا مزرعة للآخرة، وهي دار يجازي على العمل فيها بالثواب والعقاب، وهي ليست مذمومة على كل حال، كما في الحديث السابق ذكره: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم.

وعن علي رضي الله عنه: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، مسجد أنبياء الله، ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة. انتهى.

وروى الخطيب في الجامع عن أنس مرفوعا: خيركم من لم يترك آخرته لدنياه، ولا دنياه لآخرته ولم يكن كلا على الناس.

الثالث: لا شك أن هناك ارتباطا بين الدنيا وبين قسوة قلوب العباد، وذلك أن محبة الدنيا سبب لاشتغاله بها والانهماك فيها وذلك للاشتغال عن الآخرة فيخلو عن الذكر والفكر والطاعة فينشأ عن ذلك قسوة القلوب.

قال الراغب: فرق الله هم الناس للصناعات المتفاوتة وجعل آلاتهم الفكرية والبدنية مستعدة لها فجعل لمن قيضه لمراعاة العلم والمحافظة على الدين قلوبا صافية وعقولا بالمعارف لائقة وأمزجة لطيفة وأبدانا لينة، ومن قيضه لمراعاة المهن الدنيوية كالزراعة والبناء جعل لهم قلوبا قاسية وعقولا كزة وأمزجة غليظة وأبدانا خشنة.

الرابع: يجب الحذر من الوقوع في سب الدنيا بسبب ما يقدره الله فيها أو ما يخلقه من أفعال العباد، فإن ذلك من سب الدهر الذي نهى عنه النبي بقوله: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر.

قال النووي: قال العلماء هو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو مرض أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون: ياخيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله . أي لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها.

وأما الدهر هو الزمان فلا فعل له، بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى، ومعنى فإن الله هو الدهر أي فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات. والله أعلم كما ذكره العراقي في طرح التثريب.

والذي ننصح به السائلة ألا تنشغل إلا بما ينفعها فتعمل بطاعة الله، ولا تكثر الشكاية من الناس، بل إن أحسنوا تحمد الله، وإن أساءوا تجتنب إساءتهم، ولتعلم أن المؤمن الحقيقي يجعل الدنيا مطيته إلى الآخرة، إن أتته سراء شكر الله عليها، وإن أصابته ضراء صبر لها يأمر بالمعروف ويسارع إليه وينهى عن المنكر ولا يقر به.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله تعالى جعل الدنيا ثلاثة أجزاء جزء للمؤمن وجزء للمنافق وجزء للكافر فالمؤمن يتزود والمنافق يتزين والكافر يتمتع. انتهى

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات