اهزمي الشيطان واستغفري ربك الكريم وانسي الماضي الأليم

0 314

السؤال

بداية الحمد لله الذي هداني بعد الضلالة فأنا إنسانة اقترفت الكثير من المعاصي والذنوب، فسبحان الله إثر رؤية رأيتها تبت إلى الله عز وجل وها أنا أبحث عن أناس يسيرون على هدي الله، ولكن لا أعرف أين وكيف فالمجتمع الذي يحيط بي سواء في العمل أو خارجه مجتمع نسي الله، الحياة ولهو الشياطيين طريقهم، فأنا والله في صراع مع نفسي هل سيغفر الله لي ماذا أفعل لأني ارتكبت من الذنوب والمعاصي ما تعجز الجبال عن حمله ولا أدري كيف الطريق إلى نوال مغفرة الله، فدمعي لا يتوقف ويسكنني الخوف الشديد من عذاب القبر ومن عذاب القبر ومن أن يفضحني الله أمام الخلائق وأنا أدعي الصلاح أمام الناس فأرجوكم ساعدوني فوالله أريد أن يرتاح هذا القلب وتنام هذه العين وأن أجد الصحبة الطيبة والناس الخيار من أهل التقوى الذين يعلمون أن الحياة لعب ولهو وأن الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا، لذا فأرجوك أن تريح قلبي بأن ربي سيغفر لي وما هو الطريق لذلك؟ وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإننا أولا نحمد الله عز وجل ونهنئك بتوبتك، فعليك بصدق التوبة، فإن الله يقبل توبة من تاب من الذنوب توبة نصوحا مهما كانت الذنوب إذا استوفيت شروط التوبة، قال تعالى: وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون {النور:31}، وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا  {التحريم:8}، وقال تعالى: وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم {الأنعام:54}، وقال سبحانه وتعالى: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى {طه:82}، وقال تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين  {هود:114}، وقال تعالى: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون {الشورى:25}، وقال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم {الزمر:53}.

وقال تعالى في الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه، وفي حديث مسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه. وما في حديث مسلم: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم. وفي حديث الترمذي: إن ا لله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه أحمد. وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عبدا أصاب ذنبا، وربما قال: أذنب ذنبا، فقال: رب أذنبت، وربما قال: أصبت، فاغفر لي، فقال ربه:أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا، أو أذنب ذنبا، فقال: رب أذنبت -أو أصبت- آخر فاغفره؟ فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا، وربما قال: أصاب ذنبا، قال: قال رب أصبت -أو قال: أذنبت- آخر فاغفره لي؟ فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثلاثا، فليعمل ما شاء.

 ولمعرفة شروط التوبة النصوح انظري ذلك في الفتوى رقم: 5450

وأكثري من فعل الطاعات والذكر والاستعاذة من الشيطان ومن الشر كله كلما خطر بقلبك التفكير في المعاصي، فقد قال الله تعالى: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم {فصلت:36}، وقد سأل أبو بكر فقال: يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال: قل: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه، قلها: إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك. رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.

واشغلي فكرك ووقتك وفراغك بما يفيد، فإن أفضل ما يعمر به المؤمن وقته ويومه هو الانشغال بالقيام بالفرائض كالصلوات الخمس، والصيام الواجب، وبر الوالدين وصلة الأرحام وغير ذلك من الواجبات، وكذلك القيام بالسنن والمستحبات كالصلوات الراتبة وقيام الليل والصدقة المستحبة، وقراءة القرآن والتسبيح والذكر ونحو ذلك... وابتعدي عن كل ما يؤدي للمعاصي، واستحضري خطر مخالطة الأجانب والخلوة بهم، والكشف عما حرم الكشف عنه بحضرتهم فقد اتفق العلماء على حرمة الخلوة بالأجنبي لصريح النهي عنها، فيما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. متفق عليه...

 وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. رواه البخاري وغيره.

وقال الله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون* وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون {النور:30-31}.

وطالعي في القرآن والسنة الترغيب في الطاعات والترهيب من المعاصي والفواحش والتحذير منها، والترغيب في التوبة والحياء من الله واستشعار مراقبته، وتأملي ما فيهما من الوعد والوعيد وأهوال الآخرة، ومن أهمها رياض الصالحين والمتجر الرابح للدمياطي، وفضائل الأعمال للمقدسي، والترغيب والترهيب للمنذري، فقد دلت الأحاديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.

سابعا: عليك بالحرص على الاستقامة على التوبة إلى الله، وعقد العزم على عدم العودة للذنب أبدا، وإذا سقطت مرة وأغواك الشيطان فلا تعتبريها النهاية، ولا تستسلمي لليأس، بل اهزمي الشيطان واستغفري ربك وكوني ممن قال الله تعالى فيهم: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون* أولئك جزآؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين {آل عمران:135-136}.

 وعليك بالحياء من الله والخوف من بطشه الشديد وعقابه الأليم، فقد قال الله تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم {النور:63}. وقال تعالى: ويحذركم الله نفسه {آل عمران:28}، وقال الله تعالى: إن بطش ربك لشديد {البروج:12}، فاستحيي من الله الذي يعلم سرك وجهرك، وهو قادر على أخذ العباد بما اقترفت أيديهم، وهو القائل: أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون {النحل:45}، وهو القائل: والله أشد بأسا وأشد تنكيلا {النساء:84}.

فعليك باستشعار مراقبة الله تعالى، وملاحظة أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنه يعلم سرك ونجواك، قال الله تعالى: ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب {التوبة:78}، وقال الله جلا وعلا: وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير {الحديد:4}، وقال تعالى: وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين {يونس:61}..

 وعليك أن تستري نفسك ولا تطلعي أحدا على ذنبك، لما في الحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

 وقال صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه الحاكم والبيهقي، وصححه السيوطي وحسنه العراقي.

 وقال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري. 

وحافظي على  الصلوات المفروضة والنوافل، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون {العنكبوت:45}.

 وأكثري من ذكر الله دائما فهو الحصن الحصين من الشيطان، ففي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن به، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني.

هذا وللمحافظة على توبتك ننصحك باتخاذ رفقة صالحة من الأخوات الفضليات المتمسكات بالدين، فإن صحبتهن من أعظم أسباب الاستقامة على أمر الله بعد عون الله تعالى، وإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، ففتشي عنهن، وتعاوني معهن على الخير وعلى طلب العلم النافع.. واقرئي القرآن بتدبر وحضور قلب، واجعلي لنفسك وردا يوميا منه، وأكثري من ذكر الله تعالى وحافظي على الأذكار الموظفة التي تقال في الصباح والمساء وبعد الصلاة وعند النوم ونحو ذلك، وتجدينها وغيرها في (حصن المسلم) للقحطاني، واستعمي للأشرطة الإسلامية فإن فيها خيرا كثيرا، واسألي الله بذل وإلحاح أن يرزقك الاستقامة، وأن يصرف عنك شر كل ذي شر هو آخذ بناصيته.

 وللفائدة انظري الفتوى رقم: 33184، والفتوى رقم: 59729.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات