السؤال
كنت في مصر أعيش أنا وزوجتي مع أمي في الشقة التي تزوجت أمي فيها، وقبل وفاة أبي أوصى أن هذه الشقة إن آجلا أو عاجلا لي أنا وعشت مع أمي وزوجتي وحدثت الكثير من المشاكل التي تحدث بين الحماة والزوجة، ولكنها مشاكل عادية، ونظرا لضيق اليد لم أستطع توفير مسكن مستقل، وجاءت لي فرصة عمل بالكويت وأخبرتني زوجتي أنها تريد أن تبتعد عن المشاكل وتعيش مع أهلها فوافقت.
سافرت أنا وفعلت زوجتي فعلا أنها أغلقت حجرتنا بالمفتاح وأخذت المفتاح معها وفهمت أمي أن هذا ليس جيدا في حقها وأخبرت إخوتي الذين لهم شقق مستقلة اشتراها لهم أبي فثاروا واتصلوا بزوجتي وحدثت مشادات وقالوا لها إنه ليس لها أي حق في هذه الشقة وأنها شقة أمنا.
والآن أريد أن أعود في إجازة لمدة شهر فقالت لي زوجتي قبل أن تعود وفر لنا سكنا لأني لن أعيش ساعة في هذه الشقة، وأنا لا أستطيع أيضا الآن لأن لي ثمانية أشهر فقط في الكويت، ومرتبي ضعيف وأريد أن أعود اتقاء الفتنة وهي مصرة علي عدم العودة مع أني أكدت لها أن من الممكن أن نقضي أي أسبوع في مكان آخر مثل الإسكندرية مثلا ولكنها قالت لن أدخل هذا السكن بعد كلام إخوتك ساعة واحدة، واقترحت علي أن نعيش هذا الشهر عند أهلها الذين يبعدون عني بثلاثين كم. وأنا والله لا أعرف ماذا أفعل؟ وما هو حكم الدين في ذلك. وهل اترك أمي في هذه الفترة. وعلما أنها قد هددت بطلب الطلاق بل قد طلبته فعلا وأهلها موافقون على ذلك بشدة. وأنا في حيرة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أوجب الله للزوجة على زوجها المسكن والنفقة والكسوة بالمعروف، قال الله تعالى:
أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن {الطلاق:6}.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني : ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} فإذا وجبت السكنى للمطلقة فللتي في صلب النكاح أولى, قال الله تعالى: وعاشروهن بالمعروف. ومن المعروف أن يسكنها في مسكن، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون , وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع، ويكون المسكن على قدر يسارهما وإعسارهما؛ لقول الله تعالى: من وجدكم ؛ ولأنه واجب لها لمصلحتها في الدوام فجرى مجرى النفقة والكسوة. انتهى.
ونص الفقهاء رحمهم الله على أن من شروط المسكن أن يكون خاصا بالمرأة لا يساكنها فيه غيرها إن هي أرادت ذلك.
قال الكاساني رحمه الله في بدائع الصنائع: ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربه فأبت ذلك؛ عليه أن يسكنها في منزل مفرد؛ لأنهن ربما يؤذينها ويضررن بها في المساكنة. انتهى.
وقال الحطاب المالكي رحمه الله في مواهب الجليل: قال ابن فرحون: إن من حقها أن لا تسكن مع ضرتها ولا مع أهل زوجها ولا مع أولاده في دار واحدة، فإن أفرد لها بيتا في الدار ورضيت فذلك جائز؛ وإلا قضي عليه بمسكن يصلح لها. انتهى.
وقال ابن نجيم الحنفي رحمه الله في كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق: وإذا وجبت(السكنى)حقا لها (للزوجة) ليس له أن يشرك غيرها فيه ؛ لأنها تتضرر به فإنها لا تأمن على متاعها ويمنعها ذلك من المعاشرة مع زوجها ومن الاستمتاع إلا أن تختار.
فإذا كانت زوجتك تتضرر من الإقامة في مسكنك الحالي الذي تجتمع فيه مع أمك ولا تستطيع الإصلاح بينهما ، فعليك أن توفر لها مسكنا مستقلا بها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما وصححه الألباني, ومن الممكن أن تراعي في هذا المسكن أن يكون قريبا من مسكن أمك بحيث تستطيع أن ترعي أمورها وأن تقوم على خدمتها وأن تباشر أمورها.
وينبغي عليك وأنت تقدم على هذا الأمر أن تتحلى بالحكمة والتروي حتى لا تتأذى أمك بمفارقتك لها، وعلى كل فإنا نقول لك: أمسك عليك زوجك وبر أمك ,أما في أمر إجازتك هذه فمن الممكن أن تصل إلى مسكن أمك تقديرا لها وبرا بها, ثم بعد ذلك تتوجه لزيارة زوجتك في بيت أهلها وتجلس معها بعض الوقت, ثم تذهبا لقضاء وقت في مكان آخر كما اقترحت أنت, ولعل في هذه الفترة يشرح الله صدر زوجتك وترجع للإقامة معك مع أمك فترة إجازتك، إلى أن ييسر الله لك في عملك ويرزقك من فضله الواسع وتستطيع أن توفر مسكنا مستقلا لزوجتك .
للفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34018 ، 6418 ، 101351.
والله أعلم.