السؤال
رجل ترك زوجته في ألمانيا (ذاهبا إلى سويسرا) قائلا لها تكونين طالقا إذا قدمت طلب اللجوء (السياسي) في ألمانيا.... بعد فتره أرادت المرأة أن تلحق بزوجها إلى سويسرا... البوليس الألماني ألقى القبض عليها على الحدود وهي تدعي الآن بأن البوليس قد أجبرها على تقديم طلب اللجوء في ألمانيا... فهل تعتبر المرأة طالقا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقول هذا الرجل تكونين طالقا من كنايات الطلاق، فإذا قصد وقوع الطلاق به فيكون ما صدر منه هو تعليق طلاق المرأة بطلبها اللجوء في ذلك البلد، فإذا وقع المعلق عليه وقع الطلاق، وهذا مذهب الجمهور مطلقا أي دون تفريق بين أن يكون قصد الحث أو المنع أو لم يقصد ذلك، بل قصد إيقاع الطلاق، خلافا لشيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه الذين يرون أنه إن كان يقصد الحث على فعل شيء أو المنع منه فإنه يمين لا يلزم عند الحنث فيها سوى الكفارة.
إذا علم هذا فوقوع الطلاق على القول بوقوعه إنما يقع إذا لم تكن المرأة مكرهة، أما إذا أكرهت فإن الطلاق لا يقع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني.
ولا شك أن الإكراه عارض من عوارض الأهلية كما هو معلوم في علم أصول الفقه، وما حدث من زوجتك -إن صدقت في كلامها- يعتبر إكراها، والراجح من أقوال العلماء أن الطلاق لا يقع في مثل هذه الحالة.. واستدلوا على ذلك بما يلي:
1- حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. وهذا دليل عام ليس فيه استثناء.
2- قالوا: ولأن حقيقة الحنث هو مخالفة اليمين، والمخالفة إنما تكون مع التعمد، وأما مع عدم التعمد، وعدم القصد فإنه ليس ثمت مخالفة.
3- ولأن مقصود الحالف عدم المخالفة، وإذا خولف أو خالف هو نسيانا أو خطأ أو إكراها فإن مقصوده لا ينتقض.
4- ولأن المخالفة إنما حدثت دفعا للإكراه، والمكره لا يضاف إليه الفعل... وقد صرح الحنابلة فيما إذا قال الرجل لامرأته: إن خرجت من الدار فأنت طالق. فأخرجت كرها فإنها لا تطلق وذلك لأن المكره لا يضاف إليه الفعل..
وجاء في التاج والإكليل في فقه المالكية عن ابن عرفة: الإكراه غير الشرعي معتبر في درء الحنث به اتفاقا. وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: (وكذا) لا تطلق إن علق بفعل (غير) من زوجة أو غيرها وقد (قصد) بذلك (منعه) أو حثه (وهو ممن يبالي) بتعليقه فلا يخالفه فيه لصداقة أو نحوها (وعلم بالتعليق ففعله الغير ناسيا أو جاهلا أو مكرها). انتهى كلامه.. وقد بينا ضابط الإكراه المعتبر في الفتوى رقم: 6106 فلتراجع.
وعلى هذا فإنه إذا تحقق ذلك الإكراه فإن الطلاق لا يقع في مثل هذه الحالة، ولكن يبقى التحقق من صدق كلامها وهل من الممكن أن يحدث مثل هذا الإكراه على مثل هذا الفعل في مثل ظروفها، هذه مسألة يرجع فيها للواقع لتحقق الصدق من عدمه. وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 52979.
والله أعلم.