الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك في أن تذكر الموت والاتعاظ به والاعتبار به أمر مطلوب شرعا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت. رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
وقال السدي في قوله تعالى: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور {الملك: 2}. أي: أكثركم للموت ذكرا، وله أحسن استعدادا، ومنه أشد خوفا وحذرا.
قال الإمام القرطبي في التذكرة: قال الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة. ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة. انتهى.
فذكر الموت والخوف منه دأب الصالحين ووصية النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة السابق
وذلك لأن ذكر الموت والخوف منه يجلب خشية الله ومراقبته ويبعث على فعل الخيرات والاستعداد للآخرة والبعد عن الذنوب والمعاصي، ويزهد العبد في شهوات الدنيا الفانية, إلا أنه لا يجوز أن يصل هذا الخوف إلى حد اليأس والقنوط من رحمة الله أو الانشغال عن عمل الصالحات وما أمرنا به من الاستخلاف في الحياة، والمؤمن الحق هو الذي يجمع بين الخوف والرجاء، ويحذر العقاب ويرجو الثواب، ويخاف الآخرة ويستعد لها.
فالخوف من الموت على ضربين :
الأول: مركوز في طبيعة البشر وهذا غير مذموم لأنه خارج عن نطاق التكليف ولا دخل للإنسان في حصوله.
الثاني: مذموم وهو الخوف المؤدي للحرص على البقاء في الدنيا والركون إليها وكراهية الجهاد والجبن عن الصدع بالحق، كما في حديث ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها . فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير؛ ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله ! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
بحيث يكون الإنسان حريصا على البقاء في الدنيا متمتعا بشهواتها وملذاتها غافلا عن الآخرة وما يتعلق بها.
وأما عن سبب الخوف الذي تعيش فيه فهو لعله بسبب المعاصي والغفلة فكما ذكرت أنك بدأت تهتم بصلاتك أي لم تكن مهتما قبل ذلك فكفى بذلك ذنبا, فنحسب أن هذا هو تذكرة لك من الله عز وجل, فإن الخوف والقلق في أحيان كثيرة يكون سببه الذنب والمعصية.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي: ومن عقوباتها -يعني المعاصي- ما يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي فلا تراه إلا خائفا مرعوبا، فإن الطاعة حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبات الدنيا والآخرة، ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب، فمن أطاع الله انقلبت المخاوف في حقه أمانا، ومن عصاه انقلبت مآمنه مخاوف، فلا تجد العاصي إلا وقلبه كأنه بين جناحي طائر، إن حركت الريح الباب قال: جاء الطلب، وإن سمع وقع قدم خاف أن يكون نذيرا بالعطب، يحسب كل صيحة عليه، وكل مكروه قاصدا إليه، فمن خاف الله آمنه من كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء. اهــ..
فننصح الأخ السائل بالتوبة الصادقة المستوفية لشروطها وأركانها، وذلك بأن يندم على ما فات من الذنوب، ويتركها في الحال، ويعزم على أن لا يعود إليها في المستقبل، ويستمر على ماهو عليه من المحافظة على الصلوات الخمس وتكون في جماعة, ويكثر من ذكر الله ويقبل على تلاوة القرآن فإن فعل هذا وعمل صالحا وأناب إلى ربه فإنه سيشعر بالأمن والطمأنينة، فإن الله عز وجل يقول: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون {الأنعام:83}.
ففي الصحيحين عن أبي قتادة بن ربعي: أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال: مستريح ومستراح منه، قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب.
وحين يصلح الإنسان ما بينه وبين الله عز وجل فإنه لا يخاف من مجيء الموت، بل ربما يستبشر ويفرح إحسانا للظن بالله عز وجل أن ينقله إلى النعيم المقيم.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6603، 29469، 21259، 97322.
والله أعلم.