السؤال
إحدى الأخوات تسأل عن الآتي: ترغب في الزواج من شخص ووالدها رافض للأسباب التالية (1) هذا الرجل من وسط البلاد زوجي شبه بادية زوجي وعائلته من الساحل (2) في الوقت الحاضر يسكن ويعمل خارح تونس (3) سبق له الزواج وطلق زوجته، أما بالنسبة لأخلاقه فهو ملتزم أو متدين يؤدي الفروض كاملة من ناحية الدين فليس عليه أي ملاحظة في دينه. هي تحبه وترغب الزواج منه وهي تعرفه منذ أكثر من سنتين، سألت احد المشايخ أجابها بأن هذا العمل هو ما يسمى في الإسلام بالعضل للنساء وأنه من حقها إذا كانت هذه الأسباب فقط أن تذهب للقاضي وهو يزوجها لكنها تريد دليلا من القرآن ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا تريد أن تخسر علاقتها بأهلها حتى لو كان ذلك الأمر مؤقتا. أرجو الاجابه مع ذكر الدليل سواء كان من القرآن الكريم أو الأحاديث الشريفة، أثابكم الله وسدد خطاكم .
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأولا من باب النصح نقول للسائلة ينبغي لك أن تطيعي أمر والدك في ترك الزواج بهذا الرجل الكفء الذي لا يرضاه لك نزولا عند رغبته وإرضاء له، إذا لم يلحقك بسبب هذا الترك ضرر.
أما إذا لحقك من هذا الترك ضرر في الدين أو الدنيا، أو كان الوالد قد تكرر منه رفض الخطاب بلا سبب شرعي فيمكنك حينئذ رفع الأمر للقضاء؛ لأنه لا يحل للولي أن يمنع المرأة من الزواج بمن تقدم لها إذا كان كفؤا في دينه وخلقه، فإذا فعل كان عاضلا لها والعضل معصية تسقط عدالته، وتسقط إمامته فلا يصح أن يؤم الناس في الصلاة وذلك على المشهور من مذهب الإمام أحمد. وتسقط أيضا ولايته عليها فينتقل الأمر إلى غيره من الأولياء أو إلى السلطان على خلاف بين العلماء، والدليل على ذلك قوله سبحانه: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف. {البقرة: 232}، فقد نهى الله الولي عن عضل المرأة فإذا خالف وفعل ما قد نهي عنه فقد ظلم وطالما ظلم فينبغي للحاكم أن يزيل ظلمه للمرأة.
قال ابن قدامة رحمه الله: ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه. قال معقل بن يسار: زوجت أختا لي من رجل، فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك، وأفرشتك، وأكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها ! لا والله لا تعود إليك أبدا. وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية: فلا تعضلوهن . فقلت: الآن أفعل يا رسول الله. قال: فزوجها إياه. رواه البخاري. فإن رغبت في كفء بعينه، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته، كان عاضلا لها. فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلا لها. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: متى بلغت المرأة سن البلوغ وتقدم لها من ترضاه دينا وخلقا وكفاءة، ولم يقدح فيه الولي بما يبعده عن أمثالها ويثبت ما يدعيه، كان على ولي المرأة إجابة طلبه من تزويجه إياها، فإن امتنع عن ذلك نبه إلى وجوب مراعاة جانب موليته، فإن أصر على الامتناع بعد ذلك سقطت ولايته وانتقلت إلى من يليه في القربى من العصبة. انتهى من فتاوى الشيخ رحمه الله.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه، فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة، الأولى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.
وللفائدة تراجع هاتان الفتويان: 27896، 25815.
والله أعلم.