السؤال
الرجاء مساعدتي يا أمل الأمة، أنا شاب عمري 18 سنة فى الجامعة والحمد لله أنا شاب ملتزم بفضل الله، ولكن أحيانا كثيرة حينما ينصرف الناس وأبقى وحدي فى الشقة وأكون عندي إجازة من الدراسة هذا اليوم يوسوس لي الشيطان بأن أقوم بأفعال منكرة ويشتد الوسواس فأتلو كتاب الله وأجاهد هذا المنكر ولكن سرعان ما أكون طعما لهذا الشيطان اللعين وأبكي بكاء مريرا من فعلى لهذه الأفعال وأحفظ والحمد لله 10 أجزاء، ولكن هذا لا يكفي وأريد أن أستمر فى التلاوة والحفظ فكيف السبيل في الثبات على الطريق القويم طريق الله المستقيم، والدي مسافر وأمي معه خارج مصر، فكيف أشغل وقت فراغي كي أنتهي من هذا العذاب لأن هذا الموقف يتكرر كثيرا معي.. أدعوا لي بالثبات أنار الله طريقكم ووفقككم لما فيه خير للأمه الإسلامية وسعادة لها باتباع نبيها ورسولها صلى الله عليه وسلم وبارك الله فيكم ونفع الله تعالى بكم فلا أجد سوى الله ونصائحكم الطيبه ودعائكم لي جزاكم الله خيرا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبداية نسأل الله أن يشرح صدرك وأن يثبتك على ما يحب ويرضى، وأن يجنبك الزلل ومظلات الفتن، واعلم أخي الكريم أن مخافة الله ومراقبته والاستحياء منه هي التي تعصم العبد من الزلل، وهي التي تفوز بها برضوان الله وجنته، وهذا هو مقام الإحسان الذي سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ... أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. متفق عليه.
فاحذر أخي الكريم أن تتبدل عن هذا المقام الرفيع السامي، بمقام من يتحقق فيهم قوله تعالى: يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا {النساء:108}، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا، قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
وأما ما ذكرت من المعاصي في الخلوة فهذه من نزغات الشيطان وفعل النفس الأمارة بالسوء، فبادر بالتوبة والاستغفار، ولا تيأس من روح الله، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وقد وصف الله المتقين فقال: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون {آل عمران:135}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
قال النووي: (اعمل ما شئت فقد غفرت لك) معناه: ما دمت تذنب ثم تتوب غفرت لك، وهذا جار على القاعدة التي ذكرناها. انتهى.
فليس الإشكال في وقوع الذنب، وإنما الإشكال في الإصرار عليه واستمرائه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم. رواه مسلم. فالمهم أن يبادر العاصي إلى التوبة وأن تسوءه سيئته، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من عمل حسنة فسر بها وعمل سيئة فساءته فهو مؤمن. رواه أحمد وصححه الألباني.
ومما يتأكد عليك فعله أن تتبع السيئة الحسنة حتى تمحوها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي، وقال حسن صحيح، وأحمد وحسنه الألباني.
قال ابن تيمية: وأتبع السيئة الحسنة تمحها فإن الطبيب متى تناول المريض شيئا مضرا أمره بما يصلحه، والذنب للعبد كأنه أمر حتم، فالكيس هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو السيئات. انتهى.
فالمصيبة أن يتابع العبد بين السيئات دون توبة واستغفار، كما قال صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وابن ماجه وأحمد وحسنه الألباني.
وقد سبق ذلك في الفتوى رقم: 111852، كما سبق بيان وسائل تقوية الإيمان وتحقيق الاستقامة وذكر نصائح لاجتناب المعاصي وبيان شروط التوبة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10800، 1208، 93700، 5450.
والله أعلم.