أظهر حقائق الوجود وأثبتها وأصحها: وجود الله

0 457

السؤال

أنا شخص متعلم مصل، تربيت في بيئة إسلامية، ولكن تلازمني أسئلة ليس لها إجابات عندي، والله إنني لست شخصا أعرف الحق وأنكره، بل لا أحس بأي تصديق لأدلة وجود الخالق -هل الله موجود؟ هل الشيطان خدعة نفسية أم ماذا؟ ما هو الدليل أن هذا القرآن معجز؟ أنا لا ألمس الإعجاز -قصائد محمود درويش أيضا أراها بنفس الجمال اللغوي؟ يقولون لم يتغير مند 1400 سنة. وما أدراني أنا -أحس أن قصص الإعجاز العلمي مجرد تلفيق وتقويل للألفاظ أكبر من معناها -عندما تسأل شخصا عن وجود الله يطلب منك أن تتأمل وتستنتج. وأن تنظر إلى الشجر والكون.
أريد دليلا قاطعا، لا أستطيع أن أثبت أن الله غير موجود، ولا أقول الناس مخطئون وأنا على صواب، والعكس صحيح.
أعيش في مكان كل من حولي يقول الله حق، حتى الشيطان واليهود والناس أغلبهم يقولون الله موجود، هذا يجعلني أشعر أنه ربما أكون مخطئا لكن ماذا أفعل؟ وعقلي وقلبي يقول لا بلغات أهل الأرض جميعا.
سؤالي كيف يمكن أن أعالج هذا التناقض والإلحاد؟ لا أعلم لماذا أشعر دائما أني أريد أن أقتنع من داخلي أن الله موجود عن يقين تام، وأستغرب كثيرا عندما أرى من هم يعتقدون أنه موجود، إني أحسدكم مسيحيين أو مسلمين على اليقين الذي عندكم بوجود رب، تمنيت كثيرا لو أكون كذلك.
أعيش تعاسة حقيقية، ولا أستطيع الاقتناع بأدلة وجود الله -يقولون اطرد الشيطان واقرأ القرآن -كيف ذلك وأنا أعاني في هذا الشك؟ هل هناك مواقع أو معلومات عقلية بحتة لا عاطفية؟
بالأمس كنت أقرأ كتاب الله القرآن الكريم... لكني وجدت نفسي أشك في الكلام المكتوب فيه ما الدليل أنه كلام الله؟ أرجوكم أريد حلا لمشكلتي.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
 

فقد تكفل الله تعالى بالحياة الطيبة للمؤمن العامل للصالحات فقال: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون {النحل:97}.

وأما من أعرض عن ذلك، فليس له إلا المعيشة الضنك، كما قال سبحانه: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى*قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا* قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى * أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى {طه:128،127،126،125،124}.

فما يذكره السائل عن نفسه من التعاسة الحقيقية التي يعيشها، هي النتيجة الحتمية لهذا الشك المستنكر في أظهر حقائق الوجود وأثبتها وأصحها: وجود الله تعالى، هذه الحقيقة التي لا يستطيع إنكارها أو حتى الشك فيها عاقل منصف، ولهذا لما قال الكفرة لرسلهم: إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب. اكتفى الرسل بقولهم: أفي الله شك فاطر السماوات والأرض {إبراهيم: 10}.

قال السعدي{وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب} أي: موقع في الريبة، وقد كذبوا في ذلك وظلموا. ولهذا {قالت} لهم {رسلهم أفي الله شك} أي: فإنه أظهر الأشياء وأجلاها، فمن شك في الله {فاطر السماوات والأرض} الذي وجود الأشياء مستند إلى وجوده، لم يكن عنده ثقة بشيء من المعلومات، حتى الأمور المحسوسة، ولهذا خاطبتهم الرسل خطاب من لا يشك فيه ولا يصلح الريب فيه. انتهـى.

فالشك في هذه الحقيقة الناطقة التي تدركها الفطرة، وتدل عليها آيات الله المبثوثة في ظاهر الكون المتجلية في صفحاته، يبدو مستنكرا قبيحا. وقد استنكر الرسل هذا الشك، والسماوات والأرض شاهدان.

وطلب السائل لما يسميه بأدلة قاطعة بعيدا عن النظر والتأمل في الكون، ما هو في حقيقته إلا رفض للإيمان بالغيب؛ فإن الله تعالى لا يرى في الدنيا، ويكفينا النظر في آياته المرئية في الكون، وآياته المتلوة من الوحي، لكي نوقن لا بوجوده فحسب، بل باتصافه بكل صفات الكمال، وتنزهه عن كل صفات النقص، سبحانه وبحمده.

ونكتفي هنا بآية واحدة من كتاب الله، تكفي مريد الحق لرفع الشك والريب، فهذا جبير بن مطعم كان كافرا، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور، فلما بلغ هذه الآية: أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون * أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون. قال: كاد قلبي أن يطير. رواه البخاري.

فكان سماعه لهذا الآيات الكريمات سببا في إسلامه وهدايته، وكاد قلبه أن يطير من حسن هذا البيان وروعته، وفصاحته وبلاغته، ومن وضوح الحجة وسطوع الحق، فإن معناها: أم خلقوا من غير خالق، وذلك لا يجوز؛ فلا بد لهم من خالق، وإذا أنكروا الخالق فهم الخالقون لأنفسهم، وذلك في الفساد والبطلان أشد؛ لأن ما لا وجود له كيف يخلق؟! وإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقا، ثم قال: (أم خلقوا السموات والأرض)، أي: إن جاز لهم أن يدعوا خلق أنفسهم فليدعوا خلق السماوات والأرض، وذلك لا يمكنهم، فقامت الحجة، ثم قال: (بل لا يوقنون) فذكر العلة التي عاقتهم عن الإيمان، وهو عدم اليقين.

وعلى أية حال فقد سبق لنا بيان الأدلة المتلوة والمرئية على وجود الله جل جلاله، والرد على الشاك في وجوده، في عدة فتاوى، منها الفتاوى التالية: 75468، 48913،22055 ، 22279.

وكذلك الشك في القرآن إنما سببه ضعف اليقين والبصيرة، فلا يمكن أن يقرأ القرآن منصف بقلب حاضر وتدبر لمعانيه وإلا ويسجد قلبه إعظاما لهذا الكلام وقائله، ويقينا بأنه لا يمكن أن يكون من كلام المخلوقين، كما قال تعالى: وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين {يونس:37}.

وتكفيك مطالعة ما يعرف الآن بإعجاز القرآن لتقف على اليقين أنه كلام رب العالمين، فمن العجب أن يقول عاقل ذو لسان عربي: قصائد محمود درويش أراها بنفس الجمال اللغوي!!! فهذا أعظم البهتان، ونحيل السائل، على ما سبق أن ذكرناه في مسألة حقيقة القرآن وبيان أوجه إعجازه، في الفتاوى التالية: 27843، 99228، 49129.

ثم ننبه السائل على أن حسده للنصارى على يقينهم، في غير محله، فما عندهم لا يصح وصفه باليقين.

وفي الختام ننصحك أيها السائل بقول صادق وقلب مشفق رحيم أن تكف فورا عن هذه الأباطيل ومخادعة النفس وتتوب إلى الله تعالى، وتنصح لنفسك وتعود إلى رشدك فإنك على خطر لعلك لا تتخيل حقيقته كما ينبغي، فأنت الآن تخسر دنياك وأخراك جملة وتفصيلا. فالله الله في نفسك قبل أن يفوت الأوان.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة