الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دلالة وجود الخالق. ودلائل حفظ القرآن من التحريف

السؤال

لدي استفسار: إذ أننا نعيش في زمن فتن لذا فإنني أواجه الكثير من الاستفسارات وهي: ما هي الدلائل على وجود الله ثم وجود إله واحد، والغرب يدعي بأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ابتدع القرآن وأنه ليس برسول لذا فقلت إن القرآن محفوظ إلا أن نفسي أو الشيطان وسوس لي بأنه ما المانع بأن يكون القرآن قد زور ثم أضيفت الآية التي تؤكد حفظه وأريد مقارنة سريعة ودقيقة مع تأكيد بأن القرآن ليس مزوراً وبأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتبه، مع تفسيرات واضحة ودقيقة لكي لا يوسوس لي الشيطان ومقارنة بين الديانات لأتأكد بأنني أسير على الدين الصحيح، أرجو الرد وبسرعة أنجدوني ينجدكم الله، وبارك الله فيكم، وأدعو لي بأن لا أموت قبل أن أحصل على اليقين، والله على ما أقول شهيد؟ وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالتطلع إلى معرفة الخالق سبحانه وتعالى أمر مركوز في فطرة كل إنسان، والعاقل المتأمل في نفسه وفي الكون من حوله يعلم حقيقةً أن لهذا الكون خالقاً متصفاً بكل كمال، منزها عن كل نقص.

فهذا الكون كله بنظامه ودقته شاهد على وجود خالق، بل الإنسان نفسه أكبر دليل على وجود خالقه لأن الله تعالى خلقه من العدم، ومرَّ بمراحل وأطوار متعددة في بطن أمه حتى خرج إلى هذا العالم، ومن هنا جاء التنبيه القرآني: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21]، وللمزيد عن هذا الموضوع راجع الفتوى رقم: 22055، والفتوى رقم: 22279.

ومما يدل على وجود إله واحد لا شريك له أنه لو فرض تعدد الألهة لترتب على ذلك ما يلي:

1- اختلال نظام الكون حيث سينفرد كل منهم بما خلق، والكون منتظم كما هو مشاهد.

2- كان كل واحد يطلب القهر والغلبة على الآخر فيعلو بعضهم على بعض، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: فقال الله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [المؤمنون:91]، أي لو قدر تعدد الألهة لانفرد كل منهم بما خلق، فما كان ينتظم الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق، كلٌ من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال، مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ، ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه فيعلو بعضهم على بعض.

وقال الإمام القرطبي عند تفسيره لقول الله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22]: والمعنى لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلها، وقال غيره: أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير لأن أحدهما إن أراد شيئاً والآخر ضده كان أحدهما عاجزا، وقيل معنى لفسدتا أي خربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بالاختلاف الواقع بين الشركاء، فسبحان الله رب العرش عما يصفون نزه نفسه وأمر العباد أن ينزهوه عن أن يكون له شريك أو ولد. انتهى.

ولا تلتفت إلى أقوال الكافرين الذين يطعنون في رسالة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن رسالته خاتمة للرسالات السابقة وقد بشر بها الرسل من قبله، فقد قال تعالى حكاية عن عيسى عليه الصلاة والسلام قوله: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6]، فكل من لم يؤمن برسالته صلى الله عليه وسلم فهو كافر مخلد في النار إن مات على ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم.

وقد جاء هذا النبي الأمي بتلك المعجزة الباقية وهي القرآن الكريم وتحدى البشر أن يأتوا بمثله، ولا يزال يتحداهم فعجزوا عن الإتيان بمثل سورة من سوره بل بمثل آية من آياته، والقرآن معجز بما فيه من فصاحة وبيان، وبما فيه من أخبار مستقبلة صادقة، وبما فيه من حقائق علمية لا يزال العلم الحديث يكتشفها فيجدها مطابقة لما أخبرالقرآن، مما يدل على أنه من كلام خالق هذا الكون الذي أحاط به علماً.

والقرآن كلام الله تعالى وهو محفوظ من التغيير والتبديل ولا أدل على ذلك من وجود هذه الأعداد الكثيرة من المصحف متفقة غير مختلفة مع تباعد الأقطار، فالمصحف في الصين لا يختلف عن المصحف الموجود في الغرب، وتفصيل هذه المسألة في الفتوى رقم: 6472، والفتوى رقم: 32547.

وما تجده من وساوس وخطرات من كيد الشيطان، وعليك دفعه وعدم الالتفات إليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكثيراً ما تعرض للمؤمن شعبة من شعب النفاق ثم يتوب الله عليه، وقد يرد على قلبه بعض ما يوجب النفاق ويدفعه الله عنه، والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره؛ كما قالت الصحابة: يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لإن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: ذاك صريح الإيمان. وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به، قال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان؛ كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه فهذا أعظم الجهاد، والصريح الخالص كاللبن الصريح.

وإنما صار صريحاً لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها فخلص الإيمان فصار صريحاً، ولا بد لعامة الخلق من هذه الوساوس، فمن الناس من يجيبها فيصير كافراً أو منافقاً، ومنهم من قد غمر قلبه الشهوات والذنوب فلا يحس بها إلا إذا طلب الدين فإما أن يصير مؤمناً وإما أن يصير منافقاً. انتهى.

ثم عليك أن تعلم أن دين الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده فلا يقبل غيره من الأديان، وكل من كان على دين غيره فهو كافر ضال مخلد في النار إذا مات على غير دين الإسلام، فقد قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:19]، وقال الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]، فالواجب عليك اعتقاد صحة هذا الدين وأن غيره كفر وضلال، ومن الجدير التنبيه عليه أن الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز إلا للضرورة الملحة، ونحيلك للتفصيل في هذا إلى الفتوى رقم: 2007.

كما ننبه إلى ضرورة التفقه في دين الإسلام بتعلم أحكامه ومجالسة العلماء الربانيين والأخذ عنهم حتى تعبد الله على بصيرة وتتفقه في دينك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. متفق عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني