السؤال
هل صحيح أن الله يعامل العبد كما يعامل العبد الناس؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد وقعت هذه القاعدة في كلام بعض أهل العلم، وقررها ابن القيم في كتابه الوابل الصيب أحسن تقرير وانتصر لها بأدلة من الكتاب والسنة، ونحن نسوق كلامه بحروفه في هذه المسألة لما فيه من النفع قال رحمه الله:
وفي الصحيح أن الله تعالى وتر يحب الوتر، وهو سبحانه وتعالى رحيم يحب الرحماء وإنما يرحم من عباده الرحماء، وهو ستير يحب من يستر على عباده، وعفو يحب من يعفو عنهم من عباده، وغفور يحب من يغفر لهم من عباده، ولطيف يحب اللطيف من عباده، ويبغض الفظ الغليظ القاسي الجعظري الجواظ، ورفيق يحب الرفق، وحليم يحب الحلم، وبر يحب البر وأهله، وعدل يحب العدل، وقابل المعاذير يحب من يقبل معاذير عباده، ويجازي عبده بحسب هذه الصفات فيه وجودا وعدما، فمن عفا عفا عنه، ومن غفر غفر له، ومن سامح سامحه، ومن حاقق حاققه، ومن رفق بعباده رفق به، ومن رحم خلقه رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن صفح عنهم صفح عنه، ومن تتبع عورتهم تتبع عورته، ومن هتكهم هتكه وفضحه، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن شاق شاق الله تعالى به، ومن مكر مكر به، ومن خادع خادعه، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تعالى لعبده على ما حسب ما يكون العبد لخلقه، ولهذا جاء في الحديث: من ستر مسلما ستره الله تعالى في الدنيا والاخرة، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله تعالى عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله تعالى حسابه. ومن أقال نادما أقال الله تعالى عثرته، ومن أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله تعالى في ظل عرشه، لأنه لما جعله في ظل الإنظار والصبر ونجاه من حر المطالبة وحرارة تكلف الأداء مع عسرته وعجز نجاه الله تعالى من حر الشمس يوم القيامة إلى ظل العرش.
ودليل هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر. قال: قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه. أخرجه مسلم
وقال أبو اليسر: أشهد بصر عيني هاتين ( ووضع إصبعيه على عينيه ) وسمع أذني هاتين ووعاه قلبي هذا ( وأشار إلى مناط قلبه ) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله. رواه مسلم.
ثم يتابع ابن القيم كلامه: وكذلك الحديث الذي في الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته يوما: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانه من تتبع عورة أخيه يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته، فكما تدين تدان وكن كيف شئت فان الله تعالى لك كما تكون أنت ولعباده ولما أظهر المنافقون الإسلام وأسروا الكفر وأظهر الله تعالى لهم يوم القيامة نورا على الصراط وأظهر لهم أنهم يجوزون الصراط وأسر لهم أن يطفئ نورهم وأن يحال بينهم وبين الصراط من جنس أعمالهم، وكذلك من يظهر للخلق خلاف ما يعلمه الله فيه فإن الله تعالى يظهر له في الدنيا والآخرة أسباب الفلاح والنجاح والفوز ويبطن له خلافها. وفي الحديث: من راءى راءى الله به، ومن سمع سمع الله به . والمقصود أن الكريم المتصدق يعطيه الله ما لا يعطي جزاء له من جنس عمله.
والله أعلم.