السؤال
أنا محتار جدا فى نقطة معينة، واسمح لي أقول كل الذي في قلبي مباشرة، ربنا في القرآن ذكر أن له نعما كبيرة علينا كبشر، ومن هذه النعم مثلا السمع أو البصر، أو الوالدين لكن هذه الحاجات أساسيات لي كبشر حتى أقدر أعمر الأرض وأعيش فيها، ولو كنت خلقت كفيفا كنت سأتأقلم مع وضعي. إذن فهذه ليست نعما. صحيح أم لا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكلامك ليس بصواب ، وبيان ذلك أن العباد ليس لهم حق على الله عز وجل حتى يزعم العبد أن نعمة الله عليه في السمع والبصر ضرورية لقيام حياته، وعمارة الأرض، ومن ثم فلا تكون نعمة، بل نفس حياته نعمة، وتمكينه من عمارة الأرض نعمة أي نعمة. قال تعالى: وهو الذي جعلكم خلائف الأرض {الأنعام:165} وقال تعالى: هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها {هود:61}
فكل عرق ينبض في العبد ، وكل نفس يتنفسه شاهد بمنة الله عز وجل عليه وفضله ، وأنه لا يستغني عن ربه طرفة عين ، فهو غارق في نعم الله عز وجل، يتقلب فيها آناء الليل وأطراف النهار، ومعرفة هذه الحقيقة أول طريق الشكر، وكيف يمكن للعبد أن يقوم بشكر نعمة الله عليه، وهو ينكر أن يكون ما به من النعم العظام، والمنن الجسام نعمة منه تعالى. قال تعالى: وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون {النحل :53}
بل العبد مهما اجتهد في الشكر فهو مقصر فيه ، وسبيل قيامه بالشكر أن يعرف أنه عاجز عنه.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. وقوله: { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } يخبر عن عجز العباد عن تعداد النعم فضلا عن القيام بشكرها، كما قال طلق بن حبيب رحمه الله: إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد، وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أصبحوا توابين وأمسوا توابين. وفي صحيح البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم، لك الحمد غير مكفي ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا . وقد روي في الأثر: أن داود عليه السلام قال: يارب، كيف أشكرك وشكري لك نعمة منك علي؟ فقال الله تعالى: الآن شكرتني يا داود، أي: حين اعترفت بالتقصير عن أداء شكر النعم.
وقال الشافعي، رحمه الله: الحمد لله الذي لا يؤدى شكر نعمة من نعمه، إلا بنعمة توجب على مؤدى ماضي نعمه بأدائها، نعمة حادثة توجب عليه شكره بها . اهـ
وقال القائل في ذلك:
لو كل جارحة مني لها لغة * تثني عليك بما أوليت من حسن ...
لكان ما زاد شكري إذ شكرت به إليك أبلغ في الإحسان والمنن انتهى بتصرف.
وحسبك أن تسأل نفسك، ماذا لو سلبك الله نعمة البصر ؟ أو نعمة السمع ؟ أو ما هو أقل منها ؟، وكيف ستتمكن من الحياة المستقيمة؟ وهؤلاء العميان والصم والبكم لا شك في كونهم أنقص حظا من القيام بمصالح أنفسهم ، فأولى بك ثم أولى أن تحمد الله الذي عافاك مما ابتلاهم به ، وفضلك على كثير ممن خلق تفضيلا ، وانظر لنفسك إذا مرضت كيف تضطرب أمورك ، ويختل نظام حياتك ، وحينئذ تعرف نعمة الله عليك بالصحة ، وليس ما أنعم الله به عليك وعلى جميع العباد إلا محض فضل منه تبارك وتعالى ، ولو شاء أن يسلبك ما وهبك لفعل ، ولا معقب لحكمه ولا راد لأمره.
ما للعباد عليه حق واجب * كلا ولا عمل لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا * فبفضله وهو الكريم الواسع.
فاجتهد في استحضار نعم الله عليك وشكرها ، فإن الشكر هو سبب زيادة النعم ، وحذار حذار من كفر نعمة الله ، فإن ذلك خطر ما بعده خطر، قال تعالى: وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد. {إبراهيم:7}
والله أعلم.