السؤال
ما صحة هذا الكلام ومامعناه: قال سفيان: وحدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال: كلم علي طلحة - وعثمان في الدار محصور - فقال: إنهم قد حيل بينهم وبين الماء. فقال طلحة: أما حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها فلا؟
ما صحة هذا الكلام ومامعناه: قال سفيان: وحدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال: كلم علي طلحة - وعثمان في الدار محصور - فقال: إنهم قد حيل بينهم وبين الماء. فقال طلحة: أما حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها فلا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الأثر رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة قال: حدثنا حيان بن بشر، قال حدثنا يحيى بن آدم، قال حدثني سفيان بن عيينة، به.
ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، عدا حكيم بن جابر فثقة من رواة السنن. وحيان بن بشر شيخ عمر بن شبة، قال عنه ابن معين: لا بأس به. كما في تاريخ بغداد. وقال أبو نعيم في تاريخ أصبهان: كان من جلة أصحاب الحديث. اهـ.
ورواه أيضا ابن أبي شيبة: حدثنا يعلى بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، قال: لما حصر عثمان أتى علي طلحة وهو مستند إلى وسائد في بيته، فقال: أنشدك الله، لما رددت الناس عن أمير المؤمنين فإنه مقتول. فقال طلحة: لا والله حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها.
ورواه الطبري بنحوه من طريق عبد ربه بن نافع عن إسماعيل بن أبي خالد، به.
ويعلى بن عبيد، وعبد ربه بن نافع كلاهما من رجال الشيخين. ومدار هذا الإسناد على إسماعيل بن أبي خالد. ولم يتفرد به، فرواه ابن عساكر من طريق إسماعيل بن مجالد عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم قال: أخبرني من دخل على طلحة، فذكره بمعناه.
وهذا إن صح فيحتمل أن معناه أن طلحة كان يعيب على عثمان أشياء، فكان يظن أنه يرجع عنها بمطالبة هؤلاء الخارجين عليه ثم يعود الأمر إلى نصابه، ولا شك أن ذلك مجانب للصواب، ولذلك روي أن طلحة ندم على تقصيره في نصرة عثمان، فقد روى عمر بن شبة قبل هذا الأثر عن طلحة بن عبيد الله أنه قال يوم الجمل: إنا قد كنا ادهنا في أمر عثمان فلا بد من المبالغة. اهـ.
وروى بعده أن طلحة قال أيضا يوم الجمل: اللهم أعط عثمان مني اليوم حتى ترضى. اهـ.
وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة: وكذلك طلحة ندم على ما ظن من تفريطه في نصر عثمان وعلى غير ذلك، والزبير ندم على مسيره يوم الجمل، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ندم على أمور فعلها من القتال وغيره ... ولكن نحن نعلم أن التوبة مشروعة لكل عبد للأنبياء ولمن دونهم، وأن الله سبحانه يرفع عبده بالتوبة، وإذا ابتلاه بما يتوب منه فالمقصود كمال النهاية لا نقص البداية؛ فإنه تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين وهو يبدل بالتوبة السيئات حسنات. اهـ.
وعلى أية حال، فهذا من جملة ما روي في ما شجر بين الصحابة، ومذهب أهل الحق في ذلك أنه يجب الإمساك عنه وعدم الخوض فيه، واعتقاد أنهم كانوا مجتهدين فيما عملوا، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر اجتهاده، وقد سبق تفصيل ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20732، 60739، 36055، 64160. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 29774.
وأخيرا ننبه السائل الكريم على أن أكثر كتب التاريخ فيها ما فيها من الأكاذيب والأباطيل، قال د الصلابي في سيرة عثمان:
شوهت بعض كتب التاريخ مواقف الصحابة من فتنة مقتل عثمان، وذلك بسبب الروايات الرافضية التي ذكرها كثير من المؤرخين، فالمتتبع لأحداث الفتنة في تاريخ الإمام الطبري، وكتب التاريخ الأخرى من خلال روايات أبي مخنف، والواقدي وابن أعثم، وغيرهم من الإخباريين يشعر أن الصحابة هم الذين كانوا يحركون المؤامرة ويثيرون الفتنة، فأبو مخنف ذو الميول الشيعية لا يتورع في اتهام عثمان بأنه الخليفة الذي كثرت سقطاته فاستحق ما استحقه، ويظهر طلحة في مروياته كواحد من الثائرين على عثمان والمؤلبين ضده. ولا تختلف روايات الواقدي عن روايات أبي مخنف .. وهذا كله كذب وزور. وخلافا للروايات والموضوعة والضعيفة، فقد حفظت لنا كتب المحدثين - بحمد الله - الروايات الصحيحة التي يظهر فيها الصحابة من المؤازرين لعثمان والمنافحين عنه، المتبرئين من قتله، والمطالبين بدمه بعد مقتله، وبذلك يستبعد أي اشتراك لهم في تحريك الفتنة أو إثارتها. اهـ
والله أعلم.