الصحابة أفضل وأنبل أصحاب لنبي ظهر على وجه الأرض

0 443

السؤال

ينتابني شك من الدين عندما أفكر بموضوع الفتنة بين الصحابة ... أقول في نفسي ما هذا الدين الذي لم يلبث أن مات مؤسسه حتى نشبت حروب و دماء بين أتباعه الأوائل، فلماذا أمنع نفسي متع الحياة و أتبعه بعد 1430 عام. أرشدوني فإني في حيرة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن أكذب الأكاذيب وأعظم الافتراءات تصوير عصر الصحابة على أنه عصر الفتنة والكراهية والمكائد والحروب، وكيف يصح هذا والله عزوجل يقول عن أمة نبيه صلى الله عليه وسلم: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله {آل عمران:  110}

 والصحابة داخلون في هذا دخولا أوليا، فهم خير القرون بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. رواه البخاري ومسلم.

فالصحابة هم خير أمة أخرجت للناس، وأسمى طائفة عرفها التاريخ، وأنبل أصحاب لنبي ظهر على وجه الأرض، وأوعى وأضبط جماعة لما استحفظوا عليه من كتاب الله عز وجل، وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم كما قرر أهل السنة والجماعة، كلهم عدول، ولم يشذ عن هذا الرأى إلا المبتدعة والزنادقة قبحهم الله.

ثم نسألك أيها السائل ألا تؤمن بالقرآن؟! ألم تقرأ قول الله فيه: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الأنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما {الفتح:29} فماذا تجد في هذا الوصف؟ هل تجد إلا التقوى والإخلاص والنور في الوجوه والرحمة فيما بينهم والمحبة والمودة !

ألم تقرأ قوله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم{التوبة:100}

فماذا تجد في هذا الوصف؟ هل تجد ما ذكرته في سؤالك؟ أم فيه كل جميل !

ألم تقرأ قول الله تعالى: للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوأوا الدار والأيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون {الحشر: 8-9}

فحاول أيها السائل أن تنتقي مراجعك التي تقرأ فيها، فلم يصف الصحابة بما وصفتهم في سؤالك أحد إلا الكذابون والزنادقة وكتب أهل البدع والمستشرقون الذين يكيدون للدين وأهله بزرع الشبه وغرس الكراهية لخير جيل حتى يتوصلوا إلى إبطال الدين كله.

ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: ومن انتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أبغضه لحدث كان منه ، أو ذكر مساوئه كان مبتدعا ، حتى يترحم عليهم جميعا ويكون قلبه لهم سليما .

وقال أبو زرعة الرازي رحمه الله: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى ، وهم الزنادقة.

وقال ابن عدي : فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لحق صحبتهم وتقادم قدمهم في الإسلام لكل واحد منهم في نفسه حق وحرمة ، فهم أجل من أن يتكلم أحد فيهم  .

وقال ابن حاتم بن حبان رحمه الله تعالى: فإن قال قائل : فكيف جرحت من بعد الصحابة وأبيت ذلك في الصحابة ، والسهو والخطأ موجود في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وجد فيمن بعدهم من المحدثين؟ يقال له : إن الله عز وجل نزه أقدار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلب قادح ، وصان أقدارهم عن وقيعة منتقص ، وجعلهم كالنجوم يقتدى بهم ، فالثلب لهم غير حلال، والقدح فيهم ضد الإيمان ، والتنقيص لأحدهم نفس النفاق ؛ لأنهم خير الناس قرنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بحكم من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلى الله عليه وسلم .

ومع هذا فهم بشر لهم اجتهادات ، ومذهب أهل السنة والجماعة فيما ثبت من أحداث جرت بين بعض الصحابة هو الكف عن الخوض في هذه الفتن التي دارت بينهم ، واعتقاد أنها كانت عن اجتهاد منهم، المصيب فيها له أجران والمخطئ له أجر، وأن تلتزم بمقولة عمر بن عبد العزيز المشهورة: تلك فتنة عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا.

ولا يوجد في سيرهم المعتمدة في كتب التاريخ الصادقة ما يدعو مسلما إلى القول مثل ما قلت في سؤالك، بل من لم يكن مسلما لو راجع سير الصحابة الصحيحة لأسلم من فرط إعجابه بإخلاصهم وشدة محبتهم لكتاب ربهم ولنبيهم وسنته ونصرتهم لذلك، والتضحية بالغالي والنفس والنفيس في سبيل نصرة هذا الدين وإعلاء كلمة الله، وننصح السائل الكريم ببعض المراجع التي ستجلي ما قد يوجد عنده من لبس وأغاليط حول ما حدث في عصر الصحابة مما ضخمه الكذابون والزنادقة، ومن هذه المراجع:

منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، حقبة من التاريخ للشيخ عثمان الخميس ، المنهج الإسلامي لكتابة التاريخ  ، وتحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الامام الطبري والمحدثين كلاهما للدكتور محمد أمحزون ، أخطاء يجب ان تصحح في التاريخ - منهج كتابة التاريخ  د/ جمال عبد الهادى، ود/ وفاء محمد رأفت، منهج كتابة التاريخ الإسلامي وتدريسه د/ محمد بن صامل السلمي.

ثم إن الدين -أيها السائل- لا يمنع من متع الحياة النظيفة، وإنما يمنع من كل قبيح ويظن الناس أنه متعة، فلم يحرم الإسلام شيئا مما يحتاجه الناس لاستقامة حياتهم إلا وقد شرع أو أباح ما هو خير منه، وما منع الإسلام شيئا إلا لتهذيب النفوس والتسليم لله والإذعان لأوامره. ونسأل الله لنا ولك الثبات على الدين الذي لن يقبل الله من أحد غيره كما قال سبحانه: ومن يبتغ غير الأسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين {آل عمران:85}

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة