السؤال
أشكو من تفريطي في حق الله سبحانه وتعالى عندما تكون زوجتي وأولادي معي في بلاد الغربة, فالعمل يهلكني في الصباح وبعد أن أرجع للبيت أنشغل بمطالب الأولاد والزوجة ويأتي علي الليل وقد أنهكت قواي، وكل ما أفعله هو الصلوات ورواتبها وبعض السنن والأذكار الخفيفة، وهكذا كل يوم حتى أنني أحس بالحزن العميق أن عمري يفنى في هذه الملهيات، كما أني أحس بجفاء وبعد عن الله، ولكن إذا سافرت الزوجة والأولاد أبدأ بالاجتهاد في العبادات وأبدأ بالإحساس بالقرب من الله، فكيف أوازن بين الأهل والأولاد والقرب من الله، وهل إذا نويت أن خدمتي لزوجتي وأولادي تكون خالصة لله (حتى الجماع أفعله وأنا مرهق لكني أفعله حتى أعطي لزوجتي حقها في ذلك)، فهل أتحصل على نفس أجر العبادات والنوافل التي تقل بوجودهم وكيف أزيل عن نفسي هذا الحزن الذي ينتابني بانقضاء عمري ووقتي في ملهيات الحياة دون أن أتقرب إلى لله في يومي بشيء؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب على المسلم أن يوازن بين واجباته المختلفة، ويتجنب الإفراط في بعض الواجبات على حساب البعض، ففي الحديث الذي رواه البخاري: قال سلمان الفارسي لأبي الدرداء: إن لنفسك عليك حقا ولربك عليك حقا ولضيفك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك، فقال له: صدق سلمان. ولا شك أن العبادة ليست مقصورة على الصلاة والذكر ونحو ذلك، وإن كان ذلك من أعظم أنواع العبادة، إلا أن مفهوم العبادة يشمل كل ما يحبه الله ويرضاه من أعمال القلوب والجوارح، قال الحكمي:
ثم العبادة هي اسم جامع * لكل ما يرضى الإله السامع.
والقيام بواجبات الزوجة والأولاد والإحسان إليهم من العبادات التي يحبها الله ويثيب عليها ثوابا عظيما، فقد ورد في الشرع أن أجر النفقة على الأهل من أعظم الأجور، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. صحيح مسلم.
. بل -كما ذكرت- فإن الجماع مما يؤجر عليه العبد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: .. وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر. صحيح مسلم.
كما أن الإحسان في معاملة الأهل من حسن الخلق وهو من أفضل الأعمال عند الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق. رواه الترمذي وصححه الألباني..
بل إن الخلق الحسن يوصل العبد لما قد يدركه بالعبادات الشاقة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم. رواه أبو داود وصححه الألباني.
فإذا كنت حال وجود أهلك تنشغل بحقوقهم عن الاجتهاد في بعض أنواع العبادات فذلك لا يستدعي الحزن والكآبة لأن هذه الأمور التي تشغلك هي أيضا من العبادات التي تثاب عليها، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 58107.
أما قولك إنك تشعر بجفاء وبعد عن الله فذلك الذي يستدعي منك وقفة مع نفسك ومراجعة لحالك، والذي نوصيك به في ذلك الأمر أن تحرص على الاجتهاد في تصحيح نيتك في أعمالك واحتساب الأجر من الله وحده، وأن تركز على أعمال القلوب من التوكل على الله والخوف والرجاء والشكر والرضا، وأن تحرص على التعاون مع أهلك على الطاعات والاجتماع على الذكر وسماع العلم النافع، ولو لوقت قليل تداوم عليه، وكذلك الحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله على حسب علمك وقدرتك، مع الإلحاح في الدعاء فإنه من أعظم الأسباب النافعة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 17666، والفتوى رقم: 58107.
والله أعلم.