الحكمة من خلق الإنسان

1 640

السؤال

أشعر أني أتيت لهذه الدنيا عبثا، وأشك في كل شيء حتى في أبسط الأمور، كيف أعمل على أن يزداد حبي لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الله خلق الإنسان لعبادته، وإقامة أمره، وتحكيم شرعه، فمن حاد عن هذا الطريق فقد استحق عقاب الله، ومن امتثل فقد استحق النعيم المقيم الذي وعد الله به عباده، وهذه حقيقة دلت عليها النصوص الصريحة، والعقول الصحيحة.

أما النصوص، فيقول الله تعالى: وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين [الذريات:56-58]. وغير ذلك من الآيات والأحاديث.

أما العقل، فمن المسلم به عند العقلاء أن الإنسان لم يخلق نفسه، لأنه كان عدما، والعدم لا يخلق شيئا، ولم تخلقه الطبيعة، لأن الطبيعة هي عبارة عن الأحجار والأشجار والأنهار والبحار، وكل هذه صماء بكماء لا تعقل، وهي فاقدة للقوة والبصر والسمع والعقل، وغير ذلك، فكيف تعطي الإنسان ما هي فاقدة له؟‍!‍ ومن القواعد العقلية المسلمة أن فاقد الشيء لا يعطيه.

ثم إن المصنوع مرآة لبعض صفات الصانع، فإذا نظرنا إلى باب البيت الخشبي سنجد ما يدلنا على بعض صفات صانعه، ففيه الإتقان الذي يدلنا على أن صانعه خبير بطرائق صنع الأبواب، قادر على تشكيلها، مالك للأدوات اللازمة لذلك، إلى غير ذلك، غير أن هناك صفات للصانع لا نعلمها خلال الباب، كماذا يحب من الطعام، وماذا يكره؟ وهل هو طويل أو قصير؟ ومن أصحابه؟ ومن أعداؤه؟ فهذه الصفات لا يمكن معرفتها إلا عن طريق من يعرف النجار.

فهذا المثال الذي ضربناه إنما هو من باب التقريب للأذهان، ولله المثل الأعلى.

فالله جل وعلا هو خالق كل شيء، ويمكننا معرفة صفاته عن طريق الوحي، ثم عن طريق آثار هذه الصفات، قال تعالى: فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير {الروم:50}، فآثار الرحمة تدل على الرحيم، وآثار الحكمة تدل على الحكيم، وهكذا. غير أن هناك صفات أخرى لا يمكن معرفتها إلا بالوحي فقط، كصفات ذاته، ومن يحب، ومن يبغض؟

بعد هذه المقدمة نقول: إن الله هو الذي خلق هذا الإنسان، وهو الذي يأمره: ألا له الخلق والأمر {الأعراف:54}، وبين سبحانه الحكمة من خلق الإنسان، قال تعالى: وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون [الذريات:56]. وقال تعالى: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور [الملك:2].

وأنكر سبحانه على من يظن أو يدعي أنه خلق عبثا، فقال: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم [المؤمنون:115-116].

وتأمل أخي في نفسك عضوا عضوا، هل خلقت العين لحكمة؟ وهل خلقت الأذن لحكمة؟ وهل خلقت القدم بشكلها وإتقانها لحكمة؟ الجواب: نعم، ثم تأمل في الأجهزة: الجهاز الهضمي، والجهاز العصبي، وغير ذلك تجد الحكمة العظيمة.

ثم إن كان جهاز لا تقتصر حكمة خلقه عليه بل للجسم كله، وما فائدة جهاز هضمي بلا جسم؟!‍ وقل مثل ذلك في بقية الأجهزة، فكيف يتصور عاقل أن لكل عضو حكمة وفائدة، فإذا اجتمعت هذه، وهذه الأجهزة لتكون إنسانا يسمع ويبصر ويعقل ويعي لم يكن لخلقه حكمه؟ وإذا سألت جماعات من الكفار ممن حصلوا على الشهادات العالمية عن حكمة خلق الإنسان لم يكن لهم جواب، وأصابتهم الحيرة، ثم لو سألت أحدهم عن حذائه هل لصنعه حكمة وفائدة؟ لقال: نعم يحميني من الشوك والحر والبرد، فانظر إلى هذه الحضارة الزائفة التي تجعل للحذاء حكمة وفائدة، ولا تجعل لهذا الإنسان ذي التركيب الدقيق، والخلق المحكم حكمة من خلقه.

ومنهم من يجد نفسه مضطرا لأن يقر بحكمه من خلقه، فيضع حكما من عند نفسه، كأن يقول: خلقت لكي أكون تاجرا أو رئيسا أو نجما مشهورا، أو غير ذلك، وسؤالنا لهؤلاء جميعا سؤال واحد هو خلقتم لذلك فلماذا تموتون ولم تكملوا مهمتكم؟

أما المؤمن فيدرك أن الحكمة من خلقه الابتلاء والامتحان، وأن أدوات الامتحان هي كل ما في هذه الدنيا، ومدة الامتحان هي حياته على الأرض، ومكان الامتحان هو الأرض دار الزوال، فإذا انتهى زمن الامتحان أخذت منه أدوات الامتحان، وأخرج من قاعة الامتحان، قال تعالى: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا [الملك:2].

فعلى العبد أن يجتهد في عبادة ربه، وأن يستعد للقاء الله في يوم يشيب فيه الولدان، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد.

أما عن كيفية عملك حتى تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فراجع الجواب: 75172.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة