الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن جريمة الزنا من أعظم الذنوب وأكبر الفواحش التي توجب غضب الله ولعنته, وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 114945.
ولكن مع قبح هذه الجريمة وبشاعتها فإن من تاب منها توبة صادقة فإن الله بفضله يقبل توبته ويقيل عثرته, فإنه سبحانه وعد بقبول التوبة عن عباده فقال: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون. {الشورى : 25}.
يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: قد أمر الله سبحانه وتعالى بالتوبة فقال: وتوبوا إلى الله جميعا. ووعد القبول فقال: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده. وفتح باب الرجاء فقال: لا تقطنوا من رحمة الله. انتهى.
ووعد الله سبحانه بالقبول لتوبة عبده وعدا مطلقا غير مقيد بالتوبة الأولى أو بغيرها، بشرط أن يتوب في كل مرة توبة صادقة نصوحا، مستوفية لشروطها المبينة في الفتوى رقم: 113925 .
فقد قال الله جل وعلا : إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. {البقرة : 222}, ومعنى التوابين أي الذين يتوبون من الذنب وإن تكرر حدوثه منهم .
قال ابن كثير رحمه الله: إن الله يحب التوابين. أي: من الذنب وإن تكرر غشيانه. انتهى.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن عبدا أصاب ذنبا وربما قال أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت وربما قال أصبت فاغفر لي، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت أو أصبت آخر فاغفره. فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا وربما قال أصاب ذنبا، قال: قال رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي، فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء.
قال النووي: وفي الحديث أن الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته، أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته. وقوله في الحديث: اعمل ما شئت. معناه: ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك.
ولكن ليس في هذا الحديث ترخيص في فعل الذنوب، ولا إغراء بالرجوع إليها فإن العود إلى الذنب قبيح لما يتضمنه من نقض التوبة.
ولكن فيه فائدة عظيمة أشار إليها القرطبي رحمه الله بقوله: وفائدة هذا الحديث أن العود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه لأنه انضاف إلى ملابسة الذنب نقض التوبة، لكن العود إلى التوبة أحسن من ابتدائها، لأنه انضاف إليها ملازمة الطلب من الكريم والإلحاح في سؤاله. انتهى من فتح الباري.
وما حدث لها من فضيحة باطلاع الناس على فعلها ذلك لا يعني عدم قبول توبتها, بل لعل هذا الذي حدث لها من قبيل تعجيل العقوبة في الدنيا، وهذا فيه خير لصاحبه ولا شك.
يبقى بعد ذلك الحديث عن علاقتها بهذا الشاب الذي يظهر أنه ضعيف الدين وسيء الخلق, فهذا لا ينبغي لها أن تتزوجه إلا بعد أن تتيقن من توبته، أو يغلب هذا على ظنها، ويشترط ألا يتم الزواج إلا بعد استبراء الرحم, وقد بينا هذا في الفتاوى الآتية أرقامها: 9644 , 1591 , 62719.
والله أعلم.