يضمن الأب ما أحدثه من تلف إذا تعدى في تأديبه لولده

0 314

السؤال

قام شاب صغير بشراء آلة الجيتار الموسيقية ليلهو بها وقت فراغه، وتكون له شيئا مسليا، وعندما علم الأب ذلك قام بتكسير الآلة على رأس هذا الشاب، وأدى إلى إحداث ارتجاج في المخ، وإحداث إصابات جسيمة به، وبالرغم من أنه يتعالج الآن في المشفى، فإن أباه يرفض أن يدفع ثمن علاجه، ويرفض أن يرجع الشاب مرة أخرى إلى البيت. وكل ذلك بسبب أن الابن قال له أنا لم أفعل معصية أو كبيرة، وأنا متأكد أن هذا الشيء ليس حراما ومصر على رأيي. أما الوالد فأصر على رأيه بأن الابن فعل كبيرة من الكبائر، وقال له لو كان بيدي لقتلتك.. ماذا يفعل الولد في هذه الحالة ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاستعمال الجيتار غير جائز، لأنه من المعازف المحرمة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف. أخرجه البخاري.

وجه الدلالة من الحديث: أن المعازف هي آلات اللهو كلها لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك، كما نقله ابن القيم في إغاثة اللهفان، وقوله صلى الله عليه وسلم: يستحلون.. معناه أنها كانت حراما فأباحوها واستحلوها.

وقد بينا مزيدا من الفائدة حول هذا الموضوع في الفتوى رقم: 108600.

ولكن مع كون هذا الشاب قد أخطأ، فإن الأب قد أخطأ أيضا بفعله هذا؛ لأن ما فعله مع ولده اعتداء واضح لا مسوغ له، سواء قصد به تغيير المنكر أو قصد به تأديب الولد، وخطأ الأب أكبر من خطأ الولد بمراحل، فإن النهي عن المنكر له مراتب بينها الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين فقال: وشرح القول في هذا أن الحسبة لها خمس مراتب كما سيأتي أولها: التعريف. والثاني: الوعظ بالكلام اللطيف. والثالث: السب والتعنيف. ولست أعنى بالسب الفحش بل أن يقول يا جاهل يا أحمق ألا تخاف الله وما يجري هذا المجرى. والرابع: المنع بالقهر بطريق المباشرة ككسر الملاهي وإراقة الخمر واختطاف الثوب الحرير من لابسه واستلاب الثوب المغصوب منه ورده على صاحبه. والخامس: التخويف والتهديد بالضرب ومباشرة الضرب له حتى يمتنع عما هو عليه. انتهى.

فكان على الأب أولا أن يعلم ابنه حرمة هذا، إذ من الواضح أن الولد يجهل كون هذا الفعل من المحرمات، ثم يتدرج معه بعد ذلك، فإن رأى إصرار الابن على فعل المنكر فعلى الأب أن يكسر هذه الآلة فقط دون أن يضرب ابنه بها فيصيبه بما أصابه من تلك الإصابة الكبيرة.

وله بعد ذلك أن يؤدب ابنه على عدم استجابته لأن الأب له ولاية التأديب على ولده، وإن كان الولد كبيرا على رأي بعض أهل العلم، قال ابن مفلح في الفروع: وظاهر كلامهم يؤدب الولد ولو كان كبيرا مزوجا منفردا في بيت. انتهى. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 119808.

ولكن لا يجوز له بحال أن يلحق به مثل هذه الإصابات الخطيرة، لأن التأديب مشروط بسلامة العاقبة وعدم التعدي، فلو تعدى الأب فإنه ضامن لما يحدث لابنه من تلف.

جاء في فقه السنة: ولا ضمان على الأب إذا أدب ولده ولا على الزوج إذا أدب زوجته، ولا على الحاكم إذا أدب المحكوم بشرط ألا يسرف واحد منهم، ويزيد على ما يحصل به المقصود. فإذا أسرف واحد منهم في التأديب كان متعديا، وضمن بسبب تعديه ما أتلفه. انتهى.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: واختلف أبو حنيفة وصاحباه في تضمين الأب والجد والوصي ونحوهم: فذهب أبو حنيفة إلى أنه يضمن الجميع إذا ترتب على تأديبهم التلف؛ لأن الولي مأذون له بالتأديب لا بالإتلاف، فإذا أدى إلى التلف تبين أنه جاوز الحد. انتهى. وعلى ذلك فإن الأب ملزم بعلاج ابنه ورعايته حتى ينهض من محنته.

مع التنبيه على أن اعتداء الوالد على ولده لا يسوغ للولد مقابلة ذلك بمثله لما لوالده عليه من عظيم الحق، بل عليه أن يتقي ربه ويحسن لوالده، ويحتسب ما أصابه عن الله سبحانه. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 46062.

ثم إنا ننبه إلى شيء مهم في تغيير المنكر وهو أنه لا يجوز تغيير منكر بوسيلة قد تؤدي إلى حدوث منكر أكبر، فمن علم يقينا أو ظنا غالبا أن تغيره سينجر عنه منكر أكبر منع من التغيير بتلك الوسيلة، وانتقل إلى المرحلة التي دونها وهي مرحلة اللسان أو القلب مثلا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة