السؤال
أعرف واحدا من الناس عندما كان صغيرا يبلغ اثنتي عشرة سنة شاهد والده يقتل أخته بطريقة توحي أنها انتحرت ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ وأرغمه والده على شهادة الزور وهو طفل، والآن هو في الثلاثينيات ومحتار في أمره، فهل هو مذنب؟ وهل يقيم الشهادة على والده بالحق فيما فعل؟.
وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما قام به هذا الرجل من قتل ابنته جريمة منكرة لا مبرر لها ولا مسوغ، والواجب على ابنه إن كان متأكدا من أن القتل وقع من أبيه أن يرفع أمره للسلطات المعنية ليلقى جزاء فعلته ويذوق وبال أمره، ولا يجوز له أن يكتم هذا، لأن الله سبحانه يقول: وأقيموا الشهادة لله {الطلاق:2}. ويقول سبحانه: ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه {البقرة:283}. ويقول سبحانه: ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا { البقرة: 282 }. وقال جل شأنه: والذين هم بشهاداتهم قائمون {المعارج: 33}.
قال الإمام الشافعي في الأم: والذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات أنه في الشاهد وقد لزمته الشهادة، وأن فرضا عليه أن يقوم بها على والديه وولده والقريب والبعيد وللبغيض القريب والبعيد ولا يكتم عن أحد، ولا يحابي بها، ولا يمنعها أحدا. انتهى.
فلا يجوز للمسلم أن يكتم شهادة الحق، ويتأكد أمر الشهادة إذا تعينت على الشاهد أو ترتب على عدم أدائها ضياع دم المسلم أو ماله أو عرضه أو أي حق من حقوقه، يقول العز ابن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام: وأما الزواجر فنوعان: النوع الثاني: ما يقع زاجرا عن مثل ذنب ماض منصرم، أو عن مثل مفسدة ماضية منصرمة ولا يسقط إلا بالاستيفاء وهو ضربان:
أحدهما: ما يجب إعلام مستحقه به ليبرأ منه أو يستوفيه وذلك كالقصاص في النفوس والأطراف وكحد القذف فإنه يلزم من وجب عليه أن يعرف مستحقه ليستوفيه أو يعفوعنه، ثم قال: وأما الشهود على هذه الجرائم فإن تعلق بها حقوق للعباد لزمهم أن يشهدوا بها وأن يعرفوا بها أربابها، وإن كانت زواجرها حقا محضا لله. انتهى.
ويستثنى من وجوب الشهادة ما إذا خاف الشاهد الضرر على نفسه أو بدنه أو ماله أو أهله، فلا يلزمه الأداء حينئذ، لقول الله تعالى: ولا يضآر كاتب ولا شهيد {البقرة:282}. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك في الموطإ.
والله أعلم.