السؤال
إني أحبكم فى الله، أريد أن أسأل كيف حقق الصحابة الإخلاص ليصلوا إلى هذه الدرجة من حب الله ورسوله ؟ وهل حب المرأة لبيتها وزوجها وأولادها يتعارض مع أنه لا يجوز أن يكون فى القلب إلا حب الله فقط؟ وما هي العلامات التي بها أعرف أنه ليس فى قلبي إلا حب الله ورسوله فقط؟ أرجو أن أكون وضحت سؤالي لأن هذا الموضوع يشغلني ليل نهار؟ وجزاكم الله كل خير وبارك فيكم ونفع بكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله سبحانه أن يبلغك الدرجات الرفيعة العالية في محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واعلمي أن ما وصل إليه الصحابة رضي الله عنهم من إخلاص المحبة لله إنما وصلوا إليه بتوفيق الله عز وجل، ثم بأخذهم بأسباب ذلك، وقد ذكرنا ما يعين الإنسان على تحقيق محبة الله وترسيخها في قلبه، وذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 47241، 22296، 4014، 24565، 71891.
وليس هناك تعارض بالضرورة بين محبة المرأة لربها وبين محبتها لبيتها وزوجها وأولادها، فالمحبة على أنواع متعددة، وليست كل محبة لشيء من الأشياء تكون شركا، وقد سبق بيان أقسام المحبة في الفتوى رقم: 27513. فراجعيها للأهمية.
وأما علامات إخلاص المحبة لله فمنها: حب لقاء الله تعالى في الجنة، فإنه لا يتصور أن يحب القلب محبوبا إلا ويحب لقاءه ومشاهدته، وهذا لا ينافي كراهة الموت، فإن المؤمن يكره الموت، ولقاء الله بعد الموت... وعلامة هذا الدؤوب في العمل، واستغراق الهم في الاستعداد. ومنها أن يكون مؤثرا ما أحبه الله تعالى على ما يحبه في ظاهره وباطنه، فيجتنب اتباع الهوى، ويعرض عن دعة الكسل، ولا يزال مواظبا على طاعة الله تعالى متقربا إليه بالنوافل... ومن العلامات أن يكون مشتغلا بذكر الله تعالى، لا يفتر عنه لسانه، ولا يخلو عنه قلبه، فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره بالضرورة ومن ذكر ما يتعلق به، فعلامة حب الله تعالى حب ذكره، وحب القرآن الذي هو كلامه، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، واتباع ما جاء به، قال الله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم. آل عمران 31. فإذن علامة المحبة كمال الأنس بمناجاة المحبوب، وكمال التنعيم بالخلوة، وكمال الاستيحاش من كل ما ينقض عليه الخلوة، ومتى غلب الحب والأنس صارت الخلوة والمناجاة قرة عين تدفع جميع الهموم، بل يستغرق الحب والأنس قلبه، حتى لا يفهم أمور الدنيا، ما لم تتكرر على سمعه مرارا، مثل العاشق الولهان.
ومنها أن يتأسف على ما يفوته من ذكر الله تعالى، ويتنعم بالطاعة ولا يستثقلها، ويسقط عنه تعبها... ومنها أن يكون شفيقا على جميع عباد الله، رحيما بهم، شديدا على أعدائه، كما قال الله تعالى: أشداء على الكفار رحماء بينهم. ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يصرفه عن الغضب له صارف، فهذه علامات المحبة، فمن اجتمعت فيه فقد تمت محبته، وصفا في الآخرة شرابه، ومن امتزج بحبه حب غير الله، تنعم في الآخرة بقدر حبه، فيمزج شرابه بشيء من شراب المقربين، كما قال عز وجل: إن الأبرار لفي نعيم... إلى قوله: يسقون من رحيق مختوم* ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون* ومزاجه من تسنيم* عينا يشرب بها المقربون. فقوبل الخالص بالصرف، والمشوب بالمشوب: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. ومنها أن يكون في حبه خائفا بين الهيبة والتعظيم، فإن الخوف لا يضاد المحبة، ولخصوص المحبين مخاوف في مقام المحبة ليست لغيرهم، وبعضها أشد من بعض، فأولها خوف الإعراض وأشد منه خوف الحجاب، وأشد منه خوف الإبعاد، ومنها كتمان الحب، واجتناب الدعوى، والتوقي من إظهار الوجد والمحبة، تعظيما للمحبوب وإجلالا له، وهيبة وغيرة على سره، فإن الحب سر من أسرار الحبيب، وقد يقع المحب في دهش وسكر، فيظهر عليه الحب من غير قصد، فهو في ذلك معذور، كما قال بعضهم ومن قلبه مع غيره كيف حاله؟! ومن سره في جفنه كيف يكتم؟!. من مختصر منهاج القاصدين مع بعض الحذف.
والله أعلم.