السؤال
سؤالي بخصوص حضور حفلات الزفاف، وكي يكون عند حضراتكم علم هذه الحفلات عندنا في مصر يحدث فيها الكثير من الذنوب والمعاصي كالغناء والرقص وتناول للمخدرات، أنا بالطبع لا أتساءل عن حكمة هذه الأشياء فهي لا تحتاج لسؤال ولكن للأسف هذا الكلام أصبح هو الطبيعي والمتعارف عليه، فعندما يقوم أخي بالزواج فسيقوم بعمل هذه الأشياء، وعندما يقوم أحد أقاربي أو أصدقائي بدعوتي لحضور حفل زفافه ولا أذهب خشية الوقوع في الإثم وعندما يقوم هذا الشخص بتبكيتي ومعاتبتي أضطر للكذب عليه وهو ما يحزنني أكثر فهل من مانع للحضور على سبيل المجاملة مع عدم المشاركة في هذه الطقوس السيئة والانصراف؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز لك حضور مثل هذه الأعراس ما لم تكن قادرا على إزالة المنكر وتغييره أو تقليله. جاء في (الموسوعة الفقهية): ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز الدخول بقصد المكث والجلوس إلى محل فيه منكر. اهـ.
وفيها أيضا: الفقهاء متفقون على أن من دعي إلى وليمة وعلم قبل الحضور بوجود الخمور أو الملاهي وما أشبه ذلك من المعاصي فيها، وهو لا يقدر على إنكار المنكر وإزالته فإنه يسقط وجوب الإجابة في حقه، ثم اختلفوا في جواز حضوره في هذه الحالة، فذهب الشافعية في أظهر الوجهين ـ وهو الصحيح ـ والحنابلة إلى أنه يحرم عليه الحضور؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر. ولأنه يكون قاصدا لرؤية المنكر أو سماعه بلا حاجة.
وصرح الحنفية بأن من دعي إلى وليمة عليها لهو إن علم به قبل الحضور لا يجيب؛ لأنه لم يلزمه حق الإجابة.
وقال الشافعية في وجه جرى عليه العراقيون: الأولى أن لا يحضر، ويجوز أن يحضر ولا يستمع وينكر بقلبه، كما لو كان يضرب المنكر في جواره فلا يلزمه التحول وإن بلغه الصوت.
ونص الشافعية والحنابلة على أنه إن علم وجود المنكر قبل حضوره فإن كان المنكر يزول بحضوره لنحو علم أو جاه فليحضر وجوبا، إجابة للدعوة وإزالة للمنكر. ونص المالكية على أن وجود المنكر يمنع الإجابة مطلقا. اهـ.
وفيها أيضا: قال العلماء: مجالسة أهل المنكر لا تحل، وقال ابن خويز منداد: من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر، مؤمنا كان أو كافرا، واستدلوا بقوله تعالى: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين. {الأنعام:68}.
ولقوله تعالى: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا. {النساء:140}.
قال القرطبي : فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر.
وقال الجصاص: وفي هذه الآية دلالة على وجوب إنكار المنكر على فاعله، وأن من إنكاره إظهار الكراهية إذا لم يمكنه إزالته وترك مجالسة فاعله والقيام عنه حتى ينتهي ويصير إلى حال غيرها. اهـ.
والذي ينبغي في حق السائل الكريم هو بيان السبب الحقيقي لعدم إجابته، وذلك من باب النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليصبر في سبيل ذلك على ما يناله من عتاب أو تبكيت، فقد قال الله تعالى: وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور. {لقمان : 17}. وليكن ذلك بأفضل أسلوب يمكن أن يحمل المنصوح على الاستجابة للنصيحة.
فإن خشي بسبب ذلك ضررا بالغا ففي المعاريض مندوحة عن الكذب على أية حال، والمعاريض جمع معراض، وهو ذكر لفظ محتمل يفهم منه السامع خلاف ما يريده المتكلم، وراجع في ذلك الفتويين: 29954، 127200.
والله أعلم.