السؤال
أتمنى من حضراتكم فهم ما أعانيه: فأنا متزوجة منذ سنتين ولم أنجب إلى الآن وليس هنالك سبب مرضي، كما أنني مغتربة في مكة المكرمة بحكم عمل زوجي فيها ولا أعرف أحدا غير زوجي أصلي ـ والحمد لله ـ وأقوم بأغلب العبادات وبالأخص قيام الليل والتسبيح، لكنني دائمة الخوف والقلق على زوجي، فهو إنسان ـ والحمد لله ـ متدين ومحبب وغير مقصر معي في أي شيء ـ وبمعنى آخر: إنسان رائع بكل ما في هذه الكلمة من معنى والفضل لله ـ ولا أعرف سبب خوفي المتزايد عليه، وكثيرا ما تراودني الأفكار المخيفة التي توصلني إلى البكاء الشديد وضيق التنفس، وأكثر ما يتعبني هو خوفي من الموت، فأنا عشت مع والدتي الأرملة ومررت بمواقف صعبة جدا من فقدان أعزاء ـ مثل أبي وابن أختي ـ وصرت كثيرة التفكير في الموت وكل ما راودني هذا الإحساس أزيد من الاستغفار وأقرأ القرآن وكتاب: لا تحزن: لشيخنا ـ عائض القرني ـ فأشعر بالراحة، ولكنها سريعة الزوال ولا أدري كيف أكون زوجة طبيعية وأتيقن من داخل نفسي معنى التوكل على الله؟ ولا أدري ما الحل؟ وهل لغربتي ووحدتي دور في ذلك؟ ساعدوني فأنا لم أكتب كل ما يدور في ذهني خوفا من الإطالة على حضرتكم وأعلم أنكم مشغلون بالأهم من سؤالي، ولكنني تعبت من هذا التفكير المتشائم والجنوني وأتعبت زوجي معي فأين المخرج؟.
أرشدوني.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الله سبحانه وتعالى بحكمته وفضله قد جعل الرضا والفرح والسرور والنشاط والأنس في طاعته وامتثال أوامره، قال سبحانه وتعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة {النحل:97}. وقال سبحانه: فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى {طـه:123}.
وجعل سبحانه الأمن قرين الإيمان والبعد عن الشرك والمعاصي، فقال سبحانه: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون {الأنعام:82}.
فمن حصل الإيمان وترك الشرك والمعاصي حصل له الأمن التام والهداية الكاملة، ومن حصل الإيمان وترك الشرك ولكنه يفعل المعاصي فقد حصل له أصل الأمن والهداية دون تمامهما، وله من الضلال والخوف والقلق بقدر ما اكتسب من المعاصي، يقول السعدي ـ رحمه الله: فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقا ـ لا بشرك ولا بمعاص ـ حصل لهم الأمن التام والهداية التامة، وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنهم يعملون السئيات، حصل لهم أصل الهداية وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها. انتهى.
وقد أخبر سبحانه أن القلوب تطمئن بذكره، فقال جل وعلا: ألا بذكر الله تطمئن القلوب {الرعد:28}.
وهذا موطن يحتاج إلى شيء من البيان: فقد زلت فيه أفهام كثير من الناس الذين يظنون أن مجرد الذكر باللسان كاف في ترتب جزائه عليه ـ مهما كان العمل ـ فتجد أحدهم مشتغلا بذكر الله بلسانه وهو بجوارحه وقلبه عاكف على المعاصي عكوفا، فكيف ينتفع هذا بالذكر؟! وسر ذلك أن الذكر إنما يعتبر بالعمل الصالح، كما قال سبحانه: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه {فاطر:10}.
جاء في تفسير ابن كثير: وقوله: والعمل الصالح يرفعه. ذكر الله يصعد به إلى الله عز وجل. والعمل الصالح: أداء فرائضه. ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله، فكان أولى به. وكذا قال مجاهد: العمل الصالح يرفع الكلام الطيب، وكذا قال أبو العالية، وعكرمة، وإبراهيم النخعي والضحاك والسدي والربيع بن أنس وشهر بن حوشب وغير واحد من السلف. وقال إياس بن معاوية القاضي: لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام. وقال الحسن وقتادة: لا يقبل قول إلا بعمل. انتهى.
فمن استقام على أمر ربه وأصابه شيء من الضيق أو القلق فليصبر عليه، فإن الله سبحانه بفضله ورحمته يجعل هذا كفارة لسيئاته، فقد روى ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني: أن أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ قال يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية؟ ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به... الآية. وكل شيء عملناه جزينا به، فقال: غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض؟ ألست تحزن؟ ألست يصيبك اللأواء؟ قال: فقلت: بلى، قال: هو ما تجزون به. انتهى.
فالذي ننصحك به ـ أيتها السائلة ـ هو أن تجددي التوبة والرجوع إلى الله جلا وعلا، فإن الإنسان لا ينفك عن معصية وذنب وقد يخفى ذلك عليه فتجده يعمل السيئات وهو لا يشعر بها لقلة علمه أو لفرط غفلته.
فإن لم تستقم الأمور وظلت تلازمك هذه الحالة، فإننا ننصحك بعرض الأمر على بعض الأطباء النفسين المسلمين من أهل الخلق والديانة، فقد يكون هناك سبب عضوي وراء هذه الظاهرة، ويمكنك مراجعة قسم الاستشارات بالشبكة.
والله أعلم.