السؤال
أنا شخص عندي شعور بالنقص ويعتقد الآخرون أني متكبر ولم أكن فى حياتي متكبرا ولو للحظة. فماذا أفعل وهل إحساسي بالشعور بالنقص حرام؟
أنا شخص عندي شعور بالنقص ويعتقد الآخرون أني متكبر ولم أكن فى حياتي متكبرا ولو للحظة. فماذا أفعل وهل إحساسي بالشعور بالنقص حرام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فأما مسألة الاتهام بالتكبر، فالفصل فيها لمعرفة معنى الكبر، ثم التحقق من وجود شيء منه أو عدمه، فليس الكبر إلا احتقار الناس وازدراؤهم، ورد الحق وإباؤه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الكبر بطر الحق وغمط الناس. رواه مسلم. وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 24081. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 15082 ، 74593. وأما مسألة الشعور بالنقص فحكمه تبع لمقصوده وحقيقته، فإن كان مقترنا بالتسخط على قضاء الله وقسمته لعبده، فلا شك في حرمته. وأما إن كان مجرد شعور العبد بتقصيره أو قصوره فليس في ذلك من حرج، بل هذا لا يخلو منه عاقل، وهو مما يستحسن إذا ترتب عليه بحث عن حل أو علاج، وسعي لبلوغ الكمال المقدور عليه. واعلم أخي الكريم أن الانطلاقة الأولى للتعامل مع هذا الشعور إنما هي بمعرفة العبد بربه ومعرفته بنفسه، وينتظم ذلك قوله تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد. {فاطر: 15}. وقد عقد العلامة ابن القيم رحمه الله عن ذلك فصلا في كتابه (الفوائد) فقال: لا ينتفع بنعمة الله بالإيمان والعلم إلا من عرف نفسه ووقف بها عند قدرها ولم يتجاوزه إلى ما ليس له، ولم يتعد طوره ولم يقل: هذا لي. وتيقن أنه لله وبالله ومن الله، فهو الإيمان به ابتداء وإدامة، لا سبب من العبد ولا استحقاق منه، فتذله نعم الله عليه وتكسره كسرة من لا يرى لنفسه ولا فيها خيرا البتة، وأن الخير الذي وصل إليه فهو لله وبه ومنه، فتحدث له النعم ذلا وانكسارا عجيبا لا يعبر عنه، فكلما جدد له نعمة ازداد له ذلا وانكسارا وخشوعا ومحبة وخوفا ورجاء، وهذا نتيجة علمين شريفين: ـ علمه بربه وكماله وبره وغناه وجوده وإحسانه ورحمته وأن الخير كله في يديه، وهو ملكه يؤتي منه من يشاء ويمنع منه من يشاء وله الحمد على هذا وهذا أكمل حمد وأتمه. ـ وعلمه بنفسه ووقوفه على حدها وقدرها ونقصها وظلمها وجهلها وأنها لا خير فيها البتة، ولا لها ولا بها ولا منها وأنها ليس لها من ذاتها إلا العدم، فكذلك من صفاتها وكمالها ليس لها إلا العدم الذي لا شيء أحقر منه ولا أنقص، فما فيها من الخير تابع لوجودها الذي ليس إليها ولا بها. فإذا صار هذان العلمان صبغة لها لا صيغة على لسانها علمت حينئذ أن الحمد كله لله والأمر كله له والخير كله في يديه، وأنه هو المستحق للحمد والثناء والمدح دونها، وأنها هي أولى بالذم والعيب واللوم. ومن فاته التحقيق بهذين العلمين تلونت به أقواله وأعماله وأحواله وتخبطت عليه ولم يهتد إلى الصراط المستقيم الموصل له إلى الله، فإيصال العبد بتحقيق هاتين المعرفتين علما وحالا، وانقطاعه بفواتهما، وهذا معنى قولهم: من عرف نفسه عرف ربه. فإن من عرف نفسه بالجهل والظلم والعيب والنقائص والحاجة والفقر والذل والمسكنة والعدم عرف ربه بضد ذلك فوقف بنفسه عند قدرها ولم يتعد بها طورها وأثنى على ربه ببعض ما هو أهله، وانصرفت قوة حبه وخشيته ورجائه وإنابته وتوكله إليه وحده، وكان أحب شيء إليه وأخوف شيء عنده وأرجاه له، وهذا هو حقيقة العبودية والله المستعان. اهـ. وقد فصل ابن القيم هذا المعنى تفصيلا تاما في كتابه (طريق الهجرتين وباب السعادتين) فلو رجع إليه السائل لاستفاد فائدة عظيمة. ثم ننصح السائل الكريم بمراسلة قسم الاستشارات في الشبكة للاستزادة ولمعرفة الجوانب النفسية لهذا الشعور وكيفية المعاملة معها. والله أعلم.