صنعت له الشركة خزانا واشترطت عليه شراء البنزين منها لمدة معينة

0 508

السؤال

قامت الشركة ببناء خزان بنزين لي ، واشترطت أن أشتري منها البنزين حصريا لمدة 5 سنوات. هل يجوز أن أشتري من شركة أخرى ثمن البنزين أقل عندها قبل نهاية 5 سنوات؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كانت هذه الشركة تملك هذا الخزان للسائل بشرط أن لا يشتري من غيرها لمدة معينة، بمعنى أنه لا يستعمله لتخزين وبيع إلا ما يشتريه منهم. فهي هبة مشروطة، وفي صحة هذه الهبة وكذلك في صحة الشرط خلاف بين أهل العمل.

 قال النووي في (الروضة): المذهب فساد الهبة والوقف بالشروط المفسدة للبيع. اهـ.

 وقال ابن قدامة في (المغني): لا يصح تعليق الهبة بشرط ... وإن شرط في الهبة شروطا تنافي مقتضاها, نحو أن يقول: وهبتك هذا بشرط أن لا تهبه, أو لا تبيعه, أو بشرط أن تهبه أو تبيعه, أو بشرط أن تهب فلانا شيئا. لم يصح الشرط، وفي صحة الهبة وجهان, بناء على الشروط الفاسدة في البيع. اهـ.

وقال المرداوي في (الإنصاف): هذا الشرط باطل بلا نزاع. لكن هل تصح الهبة أم لا؟ فيه وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع .. والصحيح من المذهب : الصحة. اهـ.

وجاء في (الموسوعة الفقهية): الشرط المقترن بالهبة قد يكون صحيحا أو غير صحيح. فالشرط الصحيح هو ما كان مؤكدا لمقتضاها غير مخالف لأحكامها ... أما الشرط غير الصحيح فإنه الشرط الذي يخالف أحكام الهبة ومقتضاها، كما لو قال: وهبتك هذا بشرط أن لا تهبه ولا تبيعه لأحد، أو وهبتكه بشرط أن تعيده لي بعد شهر. فيرى جمهور الفقهاء: الحنفية والشافعية في قول والحنابلة في المذهب إلى أنه يبطل الشرط ويصح العقد ... وذهب المالكية في قول والشافعية في المذهب والحنابلة في وجه إلى أنه يبطل العقد والشرط. اهـ.

 وقد سبق لنا بيان أن الهبة لا تقبل التعليق، في الفتوى رقم: 104667.

ثم إنه من المعروف أن عقد الهبة في الأصل من عقود التبرعات، في حين أن البيع من عقد المعاوضات، وهذه المعاملة المذكورة في السؤال قد جمعت كلا النوعين، وهذا لا يصح.

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (القواعد النورانية الفقهية): روى عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك. رواه الأئمة الخمسة أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. فنهى صلى الله عليه وسلم عن أن يجمع بين سلف وبيع ... وكل تبرع يجمعه إلى البيع والإجارة مثل الهبة والعارية والعرية والمحاباة في المساقاة والمزارعة والمبايعة وغير ذلك هي مثل القرض، فجماع معنى الحديث أن لا يجمع بين معاوضة وتبرع؛ لأن ذلك التبرع إنما كان لأجل المعاوضة لا تبرعا مطلقا فيصير جزءا من العوض. اهـ.

وقد سبق أن ذكرنا بعض النقول عن أهل العلم في منع اشتراط عقد آخر في عقد البيع، في الفتوى رقم: 111575.

 وأما إن كانت الشركة تمكن السائل من الانتفاع بهذا الخزان دون أن تملكه إياه، بل تحتفظ بملكيته لنفسها بحيث يكون لها أخذه لو أوقف العمل مثلا، وتشترط عليه في مقابل ذلك أن لا يستعمل الخزان إلا في منتجها هي، فهذا شرط صحيح يجب الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه البخاري تعليقا، وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني. وقال القاسم بن محمد: ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا. رواه مالك في الموطأ.

ولا يخفى أن التأقيت بالسنوات الخمس يضعف الاحتمال الثاني، فالغالب أن الشركة تبني الخزان على سبيل التمليك للسائل، وعندئذ فالراجح ـ والله أعلم ـ فساد العقد والشرط معا، لأنها ليست هبة خالصة وإنما يريد صاحبها من ورائها كسبا وربحا، فلو أبطلنا الشرط دون العقد لكان ظلما للواهب؛ لأن ذلك التبرع ـ كما سبق في كلام شيخ الإسلام ـ : إنما كان لأجل المعاوضة لا تبرعا مطلقا فيصير جزءا من العوض.

ولا يصح أن يكيف ذلك على أنه هبة بشرط العوض، لجهالة العوض هنا، والهبة بشرط العوض عند جمهور العلماء بيع ابتداء وانتهاء، فيشترط أن يكون العوض معلوما معينا، فإن كان مجهولا فسدت الهبة، ويكون حكمها حكم البيع الفاسد يردها الموهوب له إلى الواهب.

 قال ابن قدامة في (المغني): إن شرط في الهبة ثوابا معلوما صح، نص عليه أحمد؛ لأنه تمليك بعوض معلوم فهو كالبيع، وحكمها حكم البيع في ضمان الدرك وثبوت الخيار والشفعة. وبهذا قال أصحاب الرأي. ولأصحاب الشافعي قول: إنه لا يصح؛ لأنه شرط في الهبة ما ينافي مقتضاها ... فأما إن شرط ثوابا مجهولا لم يصح وفسدت الهبة، وحكمها حكم البيع الفاسد، يردها الموهوب له بزيادتها المتصلة والمنفصلة لأنه نماء ملك الواهب، وإن كانت تالفة رد قيمتها. وهذا قول الشافعي وأبي ثور. اهـ.

والله أعلم 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة