السؤال
سؤالي هو : هل يختلف الحساب يوم القيامة في زمننا (زمن الفتن) عن بقية الأزمان السالفة؟ بمعنى أننا في القرن العشرين يوجد الكثير الكثير من الفتن، فمن يصبر ويتقي الله عز وجل هل جزاؤه كبير وأفضل عن الزمن السالف الذي كانت فيه الفتن اقل؟.
سؤالي هو : هل يختلف الحساب يوم القيامة في زمننا (زمن الفتن) عن بقية الأزمان السالفة؟ بمعنى أننا في القرن العشرين يوجد الكثير الكثير من الفتن، فمن يصبر ويتقي الله عز وجل هل جزاؤه كبير وأفضل عن الزمن السالف الذي كانت فيه الفتن اقل؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العبادة في الهرج كهجرة إلي. رواه مسلم. قال النووي: المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس. وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد.
ويقول عليه الصلاة والسلام: فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله. رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وصححه الألباني.
ولكن ننبه إلى أن هذا ليس على إطلاقه في كل عمل، وإنما يكون في الأعمال التي يشق فعلها وقت الفتن. قال في فتح الودود: هذا في الأعمال التي يشق فعلها في تلك الأيام لا مطلقا وقد جاء: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. ولأن الصحابي أفضل من غيره مطلقا. انتهى. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ليس هذا على إطلاقه بل هو مبني على قاعدتين إحداهما أن الأعمال تشرف بثمراتها، والثانية أن الغريب في آخر الإسلام كالغريب في أوله وبالعكس لقوله: بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء من أمتي. يريد المنفردين عن أهل زمانهم إذا تقرر ذلك فنقول الإنفاق في أول الإسلام أفضل لقوله عليه السلام لخالد بن الوليد رضي الله عنه: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. أي مد الحنطة والسبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها، وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين لقلة عدد المتقدمين وقلة أنصارهم، فكان جهادهم أفضل، ولأن بذل النفس مع النصرة ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها، ولذلك قال عليه السلام: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. جعله أفضل الجهاد ليأسه من حياته وأما النهي عن المنكر بين ظهور المسلمين وإظهار شعائر الإسلام فإن ذلك شاق على المتأخرين لعدم المعين وكثرة المنكر فيهم كالمنكر على السلطان الجائر، ولذلك قال عليه السلام: يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر. لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة فكذلك المتأخر في حفظ دينه وأما المتقدمون فليسوا كذلك لكثرة المعين وعدم المنكر فعلى هذا ينزل الحديث. انتهى. كذا في مرقاة الصعود. عون المعبود.
وأيضا فإن هذا لا يقتضي تفضيل المؤمنين في وقت الفتن على الصحابة. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: حديث للعامل منهم أجر خمسين منكم. لا يدل على أفضلية غير الصحابة على الصحابة، لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وأيضا فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل فأما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد.
والله أعلم.