السؤال
كثرة الاستغفار تكفي. منذ أكثر من عشرين سنة تعرف أخي على فتاة وتعلق بها تربطنا بعائلتها مصاهرة. وعندما قرر أخي أن يتقدم لخطبتها رفضنا بحجة أن لديها قريبة لها سيئة السمعة، ولها تاريخ غير نظيف وقللنا من شأنها وعائلتها حتى نفر منها، وقرر أن يتركها مع العلم بأنها على خلق ودين وجمال هي وأسرتها، وتركها لمدة حوالي سنة ونصف، ولكن بعدها عاد إليها ولا أعرف هل حن إليها أم يستغل ما سمعه عن قريبتها، المهم هي صدته ولم تكلمه، فأصبح يستفزها ويضايقها حتى عنفته ونهرته بقوة، فصب عليها جام غضبه وشتمها وقدفها بأشنع وأردى الألفاظ ولكنها لم ترد عليه، وبعد أن سمعنا بأنها صدته وأقفلت عليه الهاتف حتى جن جنوننا وشعرنا بأنها طعنتنا في كبريائنا، وبعد أن تزوج أخي بغيرها تكلمنا على تاريخ قريبتها وعلى أسرتها لكي نقلل من شأن عائلتها، ونجد مبررا لعدم موافقتنا عليها، وتألمت هي من كلامنا على قريبتها ولم ترد علينا بأي كلمة، مر على هذا الموضوع مدة طويلة جدا، ولكنها لم تتزوج حتى الآن، وأنا الآن أشعر بتأنيب الضمير لأني السبب في نفور أخي منها، ولأننا تكلمنا وآذيناها بالكلام على تاريخ قريبتها ، مع العلم بأني تعديت الخمسين من العمر ولم أتزوج، فهل هذا عقاب ربي بحق الفتاة؟ لأني أشعر بأني ظلمتها، وهل يكون لي عقاب في الآخرة؟ كيف أكفر عن ذنبي وأنا متأكدة بأنها لن تسامحني في الدنيا لاني حرمتها من أخي، وتكلمت عن عائلتها، وسببت لهم الألم. فكيف أفعل حتى يعفو عني ربي، مع العلم بأني لم أكذب على قريبتها؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أنكم قد وقعتم في جملة من المخالفات الشرعية والمعاصي التي تستوجب منكم التوبة إلى الله جل وعلا ومن ذلك:
حديثكم عن هذه المرأة التي تدعون أنها سيئة الخلق، والأصل في هذا المنع والحرمة؛ لأن أعراض المسلمين محرمة لا يجوز التعرض لها بالطعن ولا بالقذف، فمن فعل فقد ارتكب منكم منكرا وإثما عظيما. ومن هذه المخالفات إيذاؤكم لهذه الفتاة التي كان يريد أخوكم الزواج منها، ومما يؤسف له أن إيذاءكم لها كان بسبب صدها لأخيكم عن الحديث معها، وهذا مما يحمد لها، فإن علاقة المرأة مع الرجال الأجانب غير جائزة. ومنها: استجابتكم لهوى النفس وداعي العصبية والحمية الجاهلية حيث ترجمتم تعفف هذه الفتاة على أنه إهانة لكم ولكبريائكم كما تزعمين، ومعلوم من دين الله أن الكبرياء لله وحده لا شريك له فيه كما قال سبحانه: وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم {الجاثية:37}
وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عز وجل العز إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني شيئا منهما عذبته.
ومعلوم أيضا أن التكبر بالنسبة لبني آدم صفة ذم وعيب ونقص. ومنها: أن هذه الحمية الجاهلية قد حملتكم على ظلم هذه الفتاة وإيذائها بالطعن في عرض قريبتها بل وسبها هي نفسها وقذفها من قبل أخيك وهذا حرام بل وكبيرة من كبائر الذنوب.
أما الخروج من هذه المظالم فيكون بالتوبة إلى الله جل وعلا، والندم عليها، والعزم على عدم فعلها مستقبلا، ثم باستحلال أهلها إذا لم يترتب على ذلك مفسدة أعظم. وراجعي الحديث عن كيفية توبة من ظلم مسلما في عرضه في الفتوى رقم: 111563.
وأما كون تأخرك في الزواج عقوبة لك على ما حدث منك فهذا علمه عند علام الغيوب، ولا سبيل لنا بالقطع في الإجابة عن ذلك لا نفيا ولا إثباتا، لكنا نقول على وجه الجملة إن للمعاصي أثرا في ضيق الرزق وحجب الخير عن صاحبها كما بيناه في الفتوى رقم: 128892.
والله أعلم.