السؤال
تحدث خلافات بيني وبين زوجي كثيرا، لأنه قد يهمل أسرته أحيانا، وذلك من الناحية النفسية والحياة اليومية. فهل هناك شرعا ما يوضح حقي وحق أبنائه عليه فيما عدا النوم ليلا؟ فهو يسافر وأثناء إجازته كان 90% من وقته لأهله وأقاربه، يجلسون غالبا منعزلين مع إخوتهم وأخواتهم بحجة الحرمة الشرعية، وذلك بدافع من أخواتهم وأمهم، علما أنهن يجلسن مع غير محارمهن، ولكن فقط ليحرمونا من جلسة أزواجنا، وكان قليلا ما يجلس معي في شقتنا مع أني أحتاج له. فما حكم الشرع في ذلك؟ ودمتم لنا ذخرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أمر الله سبحانه الرجال بمعاشرة زوجاتهم بالمعروف فقال تعالى: وعاشروهن بالمعروف {النساء: 19}
قال الجصاص: أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف أن يوفيها حقها من المهر والنفقة والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك، وهو نظير قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. انتهى
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأسوة حسنة، فقد كان جميل المعاشرة لنسائه، دائم البشر معهن، يداعبهن ويلاطفهن ويضاحكهن، حتى إنه كان يسابق عائشة يتودد إليها بذلك، وكان ربما خرج من بيته إلى الصلاة فيقبل إحداهن، وحث أصحابه على ملاطفة النساء، فقال لجابر رضي الله عنه ـ كما في الصحيحين: هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك. وأخرج النسائي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني فآكل معه وأنا عارك ـ أي حائض ـ وكان يأخذ العـرق فيقسم علي فيه فأعترق منه، ثم أضعه، فيأخذه فيتعرق منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من العـرق، ويدعو بالشراب فيقسم علي فيه من قبل أن يشرب منه فآخذه، فأشرب منه، ثم أضعه فيأخذه فيشرب منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح. رواه النسائي وأصل الحديث في مسلم.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم محادثة نسائه ومؤانستهن ففي سنن أبي داود عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته من آخر الليل نظر، فإن كنت مستيقظة حدثني، وإن كنت نائمة أيقظني، وصلى الركعتين، ثم اضطجع حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه بصلاة الصبح، فيصلي ركعتين خفيفتين، ثم يخرج إلى الصلاة.
فمن هنا يظهر أن إهمال الرجل لزوجته حتى لا يجلس معها ولا يراها إلا وقت النوم – وهو قادر على ذلك - ليس من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها.
أما الأولاد فلهم على أبيهم حق تربيتهم ومراعاتهم والنظر في أمورهم، فإن الأب هو راعي الأسرة، وسيسأل يوم القيامة عن رعيته، وقد أوصى الله الآباء بأبنائهم فقال سبحانه: يوصيكم الله في أولادكم {النساء:11}قال السعدي رحمه الله: أي: أولادكم - يا معشر الوالدين- عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة } فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. انتهى.
وحصر مسئولية الأب في الإنفاق فقط – كما يظن بعض الناس - كلام خاطىء فإن التربية مسئولية مشتركة بين الزوجين كما بيناه في الفتوى رقم: 99047.
وفي النهاية فإنا نوصيك بالتحلي بالحكمة والصبر في معالجة هذه الأمور، فإن الشدة تفتح باب الخصومة وتوغر الصدور، والشيطان أحرص ما يكون على التحريش بين الزوجين، بل على التفريق بينهما، ولو أطلعت زوجك على هذه الفتوى كان في ذلك خير إن شاء الله.
والله أعلم.