الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، وأن يلهمك رشدك، وأن يغفر ذنبك، وأن يحصن فرجك، ويرزقك الاستقامة وحسن الخاتمة ..
ثم اعلم أخي الكريم أن الفرح بالطاعة عموما إما أن يكون استبشارا بنعمة الله تعالى وفرحا بفضله وتطلعا إلى قبوله، ورجاء في ثوابه، دون النظر لحال الناس والتطلع لثنائهم وعلو المنزلة عندهم، فهذا محمود العاقبة، جميل الأثر، بل هو علامة الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.
وإما أن يكون إعجابا بالنفس وانشغالا بالنعمة عن المنعم، أو ميلا للأسباب الجالبة لثناء الناس وتقديرهم، فهذا خطر عظيم وآفة مهلكة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به. متفق عليه. وقد سبق لنا تفصيل ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 126715 ، 126183 ، 96853.
وعلى هذا، فالنوع الأول لا يمكن أن يكون سببا للانتكاس والرجوع للمعاصي، بل على العكس، وأما النوع الثاني والذي حقيقته العجب، فهو الذي يمكن أن يعاقب عليه المرء ويوكل إلى نفسه، فتزل قدمه بعد ثبوتها.
وأما مسألة معاتبة النفس واتهامها بالتقصير دائما، فذلك من صفات المؤمنين المحسنين الذين يتقلبون بين الخوف والرجاء، والرغب والرهب، ولا يأمنون من مكر الله ولا ييأسون من روحه. فنفس المؤمن تلومه على تقصيره في جنب الله تعالى دائما كما قال سبحانه: لا أقسم بيوم القيامة* ولا أقسم بالنفس اللوامة {القيامة:2،1}.
قال ابن القيم في كتاب الروح: اللوامة نوعان، لوامة ملومة، وهي النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها الله وملائكته. ولوامة غير ملومة وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده، فهذه غير ملومة، وأشرف النفوس من لامت نفسها في طاعة الله واحتملت ملام اللائمين في مرضاته فلا تأخذها فيه لومة لائم، فهذه قد تخلصت من لوم الله، وأما من رضيت بأعمالها ولم تلم نفسها ولم تحتمل في الله ملام اللوام فهي التي يلومها الله عز و جل. اهـ.
ولابن القيم رحمه الله فصل نفيس جدا في كتاب إغاثة اللهفان في محاسبة النفس وما فيها من مصالح، ومنها: الاطلاع على عيوبها. ذكر فيه دررا ينبغي أن تلتقط، فننصح السائل بمراجعته لأهميته ومناسبته لحاله، وسيجد فيه إن شاء الله ما يشفيه ويكفيه، وبه سيدرك أن من عرف قدر نفسه، وقدر الله حق قدره، فلابد أن يمقت نفسه في الله ولله، ولا يرضى عنها وإن عملت صالحا، كما قال ابن القيم: فالنفس داعية إلى المهالك، معينة للأعداء، طامحة إلى كل قبيح، متبعة لكل سوء، فهي تجري بطبعها في ميدان المخالفة، فالنعمة التي لا خطر لها: الخروج منها والتخلص من رقها، فإنها أعظم حجاب بين العبد وبين الله تعالى وأعرف الناس بها أشدهم إزراء عليها ومقتا لها ... ومقت النفس في ذات الله من صفات الصديقين، ويدنو العبد به من الله تعالى في لحظة واحدة أضعاف أضعاف ما يدنو بالعمل ... اهـ. وراجع لمزيد الفائدة في ذلك الفتوى رقم: 122280.
وقد سبق لنا بيان وسائل تقوية الإيمان وتحقيق الاستقامة، وذكر نصائح لاجتناب المعاصي، وبيان شروط التوبة ودلائل قبولها وما ينبغي فعله عندها، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10800 ، 1208، 29785 ، 25324 ، 18074. وراجع في حكم العادة السرية وأضرارها وكيفية التخلص منها، والوسائل المعينة على اجتنابها، الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 7170 ، 22083، 5524 ، 22083.
وأما مسألة سماع آية معينة باستمرار وفي مناسبات مختلفة عن غير قصد، كنحو الآية التي ذكرها السائل: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين فلا شك أن ذلك حاصل بتقدير الله تعالى، وفيه من جهة: تذكير وموعظة بليغة، ومن جهة: حجة من الله على عبده. والذي ينبغي لمن وقع له مثل ذلك أن ينتبه، وأن يتدبر، فقد قال تعالى: والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا {الفرقان: 7.
وقال الحسن البصري رحمه الله: إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقدونها في النهار.
والله أعلم.