الحد الفاصل بين الحلال والمستحب والحرام والمكروه في الأكل والشرب

0 390

السؤال

أعاني منذ فترة من بعض الشبهات وخاصة شبهة سنة الأكل ولهذا قصة هي أنني كنت أحس بقسوة ومرض في قلبي فكنت أعمد إلى الفتح العشوائي لكتاب رياض الصالحين فيفتح في باب فضل الفقر والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب...... الخ وهذا عدة مرات وأقول ربما أن الله يريدني أن أتبع هذه السنة فأشعر أنني لا أقبل هذا الأمر، ثم أحسست أنه تولد لدي كبر وبعدها بدأت الشبهات بعد أن بدأتني الوساوس القهرية أدركت بعدها أنه عقاب الله والآن أنا في شبهات كمية وكيفية الأكل فأحيانا لا أحس بالجوع مدة 5 ساعات وفي هذا الوقت لدينا في منزلنا وجبة هل آكل معهم أم أمتنع؟ ولا أخفي عليكم بأنني أحس أن هذا امتحان من الله لكي لا أتبع هواي. كما أرجو منكم أن تدعوا لي بالهداية والاستقامة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهدي الإسلام في الطعام والشراب أكمل هدي وأحسنه، وأصلحه وأنفعه، وليس فيه مجال للشبهات، فهناك مقامان: مقام الفضيلة، ومقام الفريضة.

فالأول: أن لا يأكل المرء إلا محتاجا للأكل، وإذا أكل لا يزيد على قدر الحاجة بحيث يقيم صلبه، وإن زاد على ذلك فإلى ثلث بطنه.

والثاني: أن يخالف ذلك، بحيث لا يصل إلى الإضرار بنفسه، سواء بكثرة الأكل أو قلته، فإن أضر بنفسه فقد أسرف وتعدى حدود الحلال.

وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 58418، أن أهل العلم كرهوا كثرة الأكل، ما لم يفض ذلك إلى ضرر، فإذا أفضى إلى ضرر حرم. وفي الفتوى رقم: 19064، أن الإسراف في المباحات هو مجاوزة الحد، وهو من العدوان المحرم. ولمزيد الفائدة عن هدي الشريعة وآداب الإسلام في الطعام والشراب يمكن مراجعة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 7372، 60812، 62398، 123774، 12157، 48493.

وقال ابن القيم في زاد المعاد: الأمراض نوعان: أمراض مادية تكون عن زيادة مادة أفرطت في البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية، وهي الأمراض الأكثرية، وسببها إدخال الطعام على البدن قبل هضم الأول، والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن، وتناول الأغذية القليلة النفع البطيئة الهضم، والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة، فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية واعتاد ذلك أورثته أمراضا متنوعة.. فإذا توسط في الغذاء وتناول منه قدر الحاجة وكان معتدلا في كميته وكيفيته كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير.

ومراتب الغذاء ثلاثة: أحدها: مرتبة الحاجة. والثانية: مرتبة الكفاية. والثالثة: مرتبة الفضلة. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه فلا تسقط قوته ولا تضعف معها، فإن تجاوزها فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنفس، وهذا من أنفع ما للبدن والقلب.. هذا إذا كان دائما أو أكثريا، وأما إذا كان في الأحيان فلا بأس به، فقد شرب أبو هريرة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم من اللبن حتى قال: والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكا. وأكل الصحابة بحضرته مرارا حتى شبعوا. والشبع المفرط يضعف القوى والبدن وإن أخصبه، وإنما يقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء لا بحسب كثرته. اهـ.

فإذا تبين للسائلة الكريمة الحد الفاصل بين الحلال والمستحب وبين الحرام والمكروه، في مسألة الأكل والشرب زالت الشبهة، ولم يبق إلا مجاهدة النفس لكي تلتزم بالأفضل، فإن زاد المرء بحيث لم يصل إلى حد الحرام بالإسراف، فلا بأس عليه. وإن أساء إلى نفسه بالتعدي والإفراط في الأكل استغفر الله تعالى وتاب إليه، واستعان به على الانكفاف عما يضره.

وأما ما يتعلق بالوسواس القهري فنرجو مراجعة الفتويين: 3086، 60628.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة