السؤال
كيف أجعل درجاتي عند الله وفي الجنة أعلى من درجات أخي، حيث إنه كان سببا في هدايتي؟ وهل كل عمل صالح أعمله يحصل على أجره أخي لأني أنا وأخي كنا لا نصلي الصلوات الخمس إلا أحيانا قليلة، ولا نصلي الجمعة أبدا، حيث إنه بدأ بالمبادرة بالذهاب الى صلاة الجمعة، وذهبت أنا مضطرا خوفا من كلام الناس، ثم بدأت تتحسن أحوالي مع الله، وبدأت الآن بحفظ القرآن، ودعوت أخي لحفظ القرآن؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنا ننبهك في البداية إلى أن المسلم ينبغي
أن يكون عالي الهمة، ويأمل من الله تعالى أكثر مما يتصور في ذهنه، ولا يجعل أمله الوحيد ارتفاع درجته على أخيه، بل يتمنى الوصول لمتابعة السلف الصالح صحابة وتابعين ومنافستهم في الخيرات.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا تمنى أحدكم فليكثر فإنما يسأل ربه. رواه الطبراني في الأوسط. وفي لفظ آ خر: إذا سأل أحدكم فليكثر فإنما يسأل ربه. رواه ابن حبان.
وننصحك أن تجد في الدعوة إلى الله تعالى حتى يهدي الله تعالى بك جموعا من الناس تحرضهم على الخير، وتنال الأجور الكثيرة بسبب ذلك.
وأما عن نيل أخيك أجر عملك فإنه غير صحيح، وإنما ينال أجرا مثل أجرك على قول بعض أهل العلم، إن كان هو السبب في استقامتك، وأما أنت فتنال أجرك كاملا إن شاء الله. فقد ذكر أهل العلم أن الدال على الخير ومن سن سنة حسنة ينال مثل أجر من اتبعه أو عمل بما دله عليه؛ لما أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا. ولما أخرجه مسلم من رواية عبد الرحمن بن هلال عن جرير بن عبد الله البجلي في حديث طويل قال فيه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا.
وفي رواية للإمام أحمد والحاكم وابن ماجه وغيرهم مرفوعا: من سن خيرا فاستن به كان له أجره ومثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء .
وقال السعدي في تفسيره : { ونكتب ما قدموا } من الخير والشر، وهو أعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم، { وآثارهم } وهي آثار الخير وآثار الشر، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، فكل خير عمل به أحد من الناس، بسبب علم العبد وتعليمه ونصحه، أو أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر، أو علم أودعه عند المتعلمين، أو في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته، أو عمل خيرا، من صلاة أو زكاة أو صدقة أو إحسان، فاقتدى به غيره، أو عمل مسجدا، أو محلا من المحال التي يرتفق بها الناس، وما أشبه ذلك، فإنها من آثاره التي تكتب له، وكذلك عمل الشر.
ولهذا: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وهذا الموضع يبين لك علو مرتبة الدعوة إلى الله والهداية إلى سبيله بكل وسيلة وطريق موصل إلى ذلك. هـ.
وقيل إنه ينال أجرا، ولكنه لا يكون مثل أجر الفاعل.
قال المباركفوري في شرح المشكاة : (من دل) أي بالقول أو الفعل أو الإشارة أو الكتابة (على خير) أي علم أو عمل مما فيه أجر وثواب. (فله) أي فللدال (مثل أجر فاعله) أي من غير أن ينقص من أجره شيء. قاله القاري. وقال المناوي: فله مثل أجر فاعله أي لإعانته عليه. وهذا إذا حصل ذلك الخير وإلا فله ثواب دلالته. قال النووي: المراد أن له ثوابا بذلك كما أن لفاعله ثوابا. ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء. انتهى.
وذهب بعض الأئمة إلى أن المثل المذكور في هذا الحديث ونحوه إنما هو بغير تضعيف.
وقال القرطبي: إنه مثله سواء في القدر والتضعيف؛ لأن الثواب على الأعمال إنما هو تفضل من الله، يهبه لمن يشاء وعلى أي شيء صدر منه خصوصا إذا صحت النية التي هي أصل الأعمال في طاعته عجز عن فعلها لمانع منع منها. فلا بعد في مساواة أجر ذلك العاجز لأجر القادر والفاعل أو يزيد عليه، قال: وهذا جار في كل ماورد مما يشبه ذلك الحديث، كذا في السراج المنير. اهـ
ثم إنه يتعين عليك عند الجمهور أن تقضي الصلوات التي ذكرت أنك لم تأت بها، وتقضى الجمعة ظهرا، فعليك أن تتحري مقدار الصلوات التي فاتتك ثم تصليها حسب الطاقة. فإذا عجزت عن معرفتها بيقين فاجتهد في القضاء حتى يغلب على ظنك براءة الذمة. وإنما يلزمك القضاء كما ذكرنا حسب الطاقة بما لا يضر ببدنك أو معاشك. وانظر الفتويين التاليتين: 31107، 65077.
والله أعلم.