الانقياد وأثره في تحقق الإيمان

0 518

السؤال

قرأت كلاما لابن تيمية معناه أن الإنسان لا يكون مؤمنا حتى يأتي بالتصديق والانقياد. أرجو توضيح معنى الانقياد الذي إذا لم يأت به الإنسان يصير كافرا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فان المراد بهذا هو الانقياد لأمر الله بالطاعة وعدم الإباء عنه استكبارا كما فعل إبليس لعنه الله؛ لأن وحي الله فيه خبر يجب تصديقه وأمر تجب طاعته والانقياد له، فقد قال شيخ الإسلام في كتاب الإيمان:

الإيمان هو الإقرار، لا مجرد التصديق. والإقرار ضمن قول القلب الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو الانقياد تصديق الرسول فيما أخبر، والانقياد له فيما أمر...اهـ.

وقال في الصارم المسلول على شاتم الرسول: وكلام الله خبر وأمر، فالخبر يستوجب تصديق المخبر، والأمر يستوجب الانقياد والاستسلام، وهو عمل في القلب جماعه الخضوع والانقياد للأمر وإن لم يفعل المأمور به، فإذا قوبل الخبر بالتصديق والأمر بالانقياد فقد حصل أصل الإيمان في القلب وهو الطمأنينة والإقرار، فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد....

 فإن الإيمان بحسب كلام الله ورسالته وكلام الله ورسالته يتضمن إخباره وأوامره، فيصدق القلب إخباره تصديقا يوجب حالا في القلب بحسب المصدق به، والتصديق هو من نوع العلم والقول وينقاد لأمره ويستسلم، وهذا الانقياد والاستسلام هو من نوع الإرادة والعمل، ولا يكون مؤمنا إلا بمجموع الأمرين، فمتى ترك الانقياد كان مستكبرا فصار من الكافرين وإن كان مصدقا، لأن الكفر أعم من التكذيب يكون تكذيبا وجهلا و يكون استكبارا وظلما، ولهذا لم يوصف إبليس إلا بالكفر والاستكبار دون التكذيب، ولهذا كان كفر من يعلم مثل اليهود ونحوهم من جنس كفر إبليس، وكان كفر من يجهل مثل النصارى ونحوهم ضلالا وهو الجهل ألا ترى أن نفرا من اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه عن أشياء فأخبرهم فقالوا: نشهد أنك نبي ولم يتبعوه وكذلك هرقل وغيره فلم ينفعهم هذا العلم وهذا التصديق؟

 ألا ترى أن من صدق الرسول بأن ما جاء به هو رسالة الله وقد تضمنت خبرا وأمرا فإنه يحتاج إلى مقام ثان وهو تصديقه خبر الله وانقياده لأمر الله فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله فهذه الشهادة تتضمن تصديق خبره والانقياد لأمره و أشهد أن محمدا رسول الله تضمنت تصديق الرسول فيما جاء به من عند الله فبمجموع هاتين الشهادتين يتم الإقرار، فلما كان التصديق لابد منه في كلتا الشهادتين، وهو الذي يتلقى الرسالة بالقبول ظن من ظن أنه أصل لجميع الإيمان، وغفل عن أن الأصل الآخر لابد منه وهو الانقياد، وإلا فقد يصدق الرسول ظاهرا وباطنا ثم يمتنع من الانقياد للأمر إذ غايته في تصديق الرسول أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من الله سبحانه وتعالى كإبليس... فمن لم ينقد لأمره فهو إما مكذب له أو ممتنع عن الانقياد لربه، وكلاهما كفر صريح....اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة