السؤال
أحب أن أشكركم على هذا الموقع، وأدعو الله تعالى أن يجعل كل هذا فى ميزان حسناتكم.
أنا عندي عدة استفسارات أولا ذكرتم في الفتوى رقم: 62719 ، أن من علامة عدم قبول التوبة -نسأل الله العافية- تمني الرجوع إلى الذنب والتلذذ بتذكره، فكيف هذا وهو يمكن أن يكون الشخص تاب من الذنب وعزم ألا يعود إليه أبدا، ولكنه يأتي عليه بعض الوقت ويتذكر الذنب ويتلذذ به، ولكنه يجاهد نفسه ألا يفعله مرة أخرى، فكيف يكون هذا من عدم قبول التوبة، وهو قطع الذنب بالكلية، ولكنها مجرد تخيلات يجاهد نفسه لتركها، ومثال على ذلك شخص كان يزني عدة سنوات وتاب لله عليه، ولكنه ليس لديه مقدرة الزواج، فأنا أرى أنه كلما ثارت شهوته سيأتي في باله مشهد من مشاهد الزنا التي كان يفعلها، وهذا طبعا حرام، ولكنه غير متزوج فغصب عنه سيأتي هذا في باله، ويمكن وقتها يتمنى الرجوع للزنا ولكنه لا يفعل، وتختلف من شخص لآخر حسب قوة الإيمان، ولكن في الآخر أن لا يرجع للذنب فكيف يكون ذلك من عدم قبول التوبة؟ أرجو التوضيح.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالتوبة لها شروط لا تصح بدونها، وهي الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود إليه، وإذا كان الذنب يتعلق بحق آدمي فيشترط رد الحق له أو استحلاله منه ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 5646.
ولا شك أن الندم والعزم على عدم العود للذنب يناقض الرغبة في العود للذنب والتلذذ بذكره، فلا تصح التوبة مع تمني الرجوع للذنب والتلذذ بذكره، أما إذا تمت التوبة مستوفية شروطها، ثم عاد العبد وتمنى الوقوع في الذنب وتلذذ بذكره ، فإن ذلك لا يبطل توبته السابقة –والله أعلم-، فإن الراجح من كلام العلماء أنه إذا عاد ووقع في الذنب نفسه لم تبطل توبته السابقة.
قال المباركفوري: ففيه أن التوبة الصحيحة لا يضر فيها نقص بالذنب ثانيا بل مضت على صحتها ويتوب من المعصية الثانية. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (8 / 29)
بل إن العبد إذا جاهد نفسه ودافع هذه الرغبة فهو مأجور على ذلك –إن شاء الله-
قال ابن القيم: إذا صفت له الإنابة إلى ربه تخلص من الفكرة في لذة الذنب وعاد مكانها ألما وتوجعا لذكره والفكرة فيه، فما دامت لذة الفكرة فيه موجودة في قلبه فإنابته غير صافية، فإن قيل: أي الحالين أعلى حال من يجد لذة الذنب في قلبه فهو يجاهدها لله ويتركها من خوفه ومحبته وإجلاله، أو حال من ماتت لذة الذنب في قلبه وصار مكانها ألما وتوجعا وطمأنينة إلى ربه وسكونا إليه والتذاذا بحبه وتنعما بذكره، قيل : حال هذا أكمل وأرفع وغاية صاحب المجاهدة أن يجاهد نفسه حتى يصل إلى مقام هذا ومنزلته، ولكنه يتلوه في المنزلة والقرب ومنوط به. مدارج السالكين - (1 / 437) ، وانظر الفتوى رقم: 43691.
ولا يخفى أهمية مجاهدة النفس وتفقد حال القلب ومدافعة الخواطر السيئة.
قال ابن القيم: قاعدة في ذكر طريق يوصل إلى الاستقامة في الأحوال والأقوال والأعمال:
وهي شيئان: أحدهما حراسة الخواطر وحفظها والحذر من إهمالها والاسترسال معها، فإن أصل الفساد كله من قبلها يجيء؛ لأنها هي بذر الشيطان والنفس في أرض القلب، فإذا تمكن بذرها تعاهدها الشيطان بسقيه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات، ثم يسقيها بسقيه حتى تكون عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمر الأعمال. طريق الهجرتين - (1 / 274)
والله أعلم.