المظاهرات بين المانعين والمجيزين

0 663

السؤال

لقد قرأت الفتوى رقم: 5843 حيث إنها بدت لي أنها تخالف بعض أقوال أهل العلم كالشيخ ابن باز والعثيمين رحمهما الله.

الإجابــة

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد بينا ما نراه في هذه المسألة بيانا واضحا في الفتوى المشار إليها، وليس خافيا علينا أن بعض أهل العلم ذهبوا إلى خلاف ما قررناه فيها، ولم يزل الخلاف سنة ماضية في الناس، فلتتسع له الصدور ما لم تكن مصادمة لنص أو إجماع، ومن المخالفين في هذه المسألة من رأى أن المظاهرات من البدع المحدثة لكونها لم تكن من عمل الصدر الأول، ولسنا نوافق على هذا إذ هذه المظاهرات ليست مقصودة لذاتها، ولكنها وسيلة لتحقيق مقصود معين، والوسائل لها أحكام المقاصد، فشأن هذه المظاهرات إذن شأن ما جد من الوسائل بعد الصدر الأول والأمثلة كثيرة.

ومن العلماء من منع من المظاهرات لما تشتمل عليه من المنكرات، وما قد تفضي إليه من الفوضى والفساد والتعدي على أموال الناس وأنفسهم، وإلى هذا المأخذ يشير كلام العلامتين ابن باز وابن عثيمين. وهاك كلاما للشيخ العثيمين رحمه الله يظهر فيه مأخذه في المنع، وأنه ما مر مما قد يفضي إليه من الفساد والشر، يقول الشيخ رحمه الله: إن المظاهرات لا تفيد بلا شك، بل هي فتح باب للشر والفوضى، فهذه الأفواج ربما تمر على الدكاكين وعلى الأشياء التي تسرق وتسرق، وربما يكون فيها اختلاط بين الشباب المردان والكهل، وربما يكون فيها نساء أحيانا فهي منكر ولا خير فيها، ولكن ذكروا لي أن بعض البلاد النصرانية الغربية لا يمكن الحصول على الحق إلا بالمظاهرات، والنصارى والغربيون إذا أرادوا أن يفحموا الخصومة تظاهروا فإذا كان مستعملا وهذه بلاد كفار ولا يرون بها بأسا ولا يصل المسلم إلى حقه أو المسلمون إلى حقهم إلا بهذا فأرجو ألا يكون به بأس، أما في البلاد الإسلامية فأرى أنها حرام ولا تجوز، وأتعجب من بعض الحكام إن كان كما قلت حقا أنه يأذن فيها مع ما فيها من الفوضى، ما الفائدة منها؟ نعم ربما يكون بعض الحكام يريد أمرا إذا فعله انتقده الغرب مثلا وهو يداهن الغرب ويحابي الغرب، فيأذن للشعب أن يتظاهر حتى يقول للغربيين: انظروا إلى الشعب تظاهروا يريدون كذا، أو تظاهروا لا يريدون كذا، فهذه ربما تكون وسيلة لغيرها ينظر فيها، هل مصالحها أكثر أم مفاسدها؟ السائل: كذا منكر حصل، فعملت المظاهرة فنفع. الشيخ: لكنها تضر أكثر، وإن نفعت هذه المرة ضرت المرة الثانية. انتهى.

 ولا يخفاك أننا قيدنا الجواز بالخلو عن المحاذير الشرعية من الاختلاط والتعدي على الأنفس والأموال وغير ذلك، فأي تثريب علينا إذن، فمن كان يرى أن الغالب هو حصول المفاسد فمنع من المظاهرات سدا للذريعة فله رأيه، ومن قال إن وجود المنكرات ليس لازما لهذه المظاهرات ولا يلزم ترتب المفاسد عليها بل كثيرا ما تخلو من هذا كله فأدار الحكم مع علته وأفتى بالجواز إن وجدت المصلحة وأمنت المفسدة وخلا الأمر من المحاذير الشرعية كان قوله وجيها، وهو الذي نفتي به ونذهب إليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة