السؤال
لي أصدقاء أجلس معهم وفي بعض الأحيان تكون في الجلسة غيبة، فما حكم مجالستي لهم مع أني لا أغتاب أحدا؟.
لي أصدقاء أجلس معهم وفي بعض الأحيان تكون في الجلسة غيبة، فما حكم مجالستي لهم مع أني لا أغتاب أحدا؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن مجالسة أهل الفسق عموما منهي عنها، قال النووي في شرح صحيح مسلم عند كلامه على الحديث: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير, فحامل المسك إما أن يحذيك, وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة, ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك, وإما أن تجد ريحا خبيثة.
قال: وفيه فضيلة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب, والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس, أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة. انتهى.
وبهذا يتبين لك أنه لا تجوز مجالسة الشخص حال ارتكابه للمعصية سواء كانت غيبة، أو غيرها إلا لمن ينكر عليه وينهاه عن منكره, فإن امتنع، أو لم يستطع الإنكار عليه فليعتزله وليترك مجالسته, ويتأكد ذلك إذا خشي على نفسه التأثر منه، قال النووي: باب تحريم الغيبة وأمر من سمع غيبة محرمة بردها والإنكار على قائلها، فإن عجز أو لم يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه. انتهى.
فينبغي لك السعي في هداية زملائك أولا, وإقناعهم بضرورة الإقلاع عن جميع المعاصي والمحرمات, بما في ذلك الغيبة, وهذا انطلاقا من واجب النصح لأهل الإسلام, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وابذل ما تستطيع من الوسائل في إقناعهم, وأعطهم أشرطة علمية ووعظية مفيدة مؤثرة, لعل الله يهديهم على يديك فيصيبك الثواب العظيم والأجر الكريم، فإن الإنسان قد يتأثر بواقع من يجالسهم, وأقل أحواله أن يألف حصول المنكر بحضرته ولا ينكره, ولذا حض أهل العلم على مصاحبة أهل الخير ومخالطتهم ومجالستهم, والبعد عن رفقاء السوء, واستدلوا لذلك بحديث مسلم في من قتل مائة نفس حيث أمره العالم بالانتقال من أرضه إلى أرض بها أناس صالحون ليعبد الله معهم، فقال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا, فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.
وبحديث أبي داود: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
وبحديث أحمد: لا تصاحب إلا مؤمنا.
وقال سبحانه وتعالى: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار {هود:113}.
قال القرطبي: الصحيح في معنى الآية أنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم, فإن صحبتهم كفر، أو معصية, إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة. انتهى.
وفي صحيح مسلم أن قريبا لعبدالله بن مغفل خذف فنهاه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف, وقال إنها لاتصيد صيدا ولا تنكأ عدوا، ولكنها تكسر السن وتفقأ العين، قال: فعاد فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ثم عدت تخذف, لا أكلمك أبدا.
قال النووي معلقا على حديث عبدالله بن مغفل: في هذا الحديث هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم وأنه يجوز هجرانه دائما, والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائما, وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له كحديث كعب بن مالك وغيره. انتهى.
وقال ابن عبد البر ـ رحمه الله: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث لمن كانت مكالمته تجلب نقصا على المخاطب في دينه, أو مضرة تحصل عليه في نفسه, أو دنياه, فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
وقال ابن حجر في الفتح: ذهب الجمهور إلى أنه لا يسلم على المبتدع ولا الفاسق. انتهى.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث: من جالس أهل المعاصي وتكلم معهم بما فيه خير لهم من إرشادهم ودعوتهم إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة وجدالهم بالتي هي أحسن, فقد أحسن لقيامه بواجب البلاغ، فإن استجابوا فالحمد لله وإن أصروا على عصيانهم فقد أعذر إليهم الحجة عليهم, ووجب عليه اعتزالهم بعدا عن المنكر, قال الله تعالى: وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون {الأعراف}.
والله أعلم.