0 481

السؤال

طلق أبي والدتي طلقتين في موضعين وزمانين مختلفين أحدهما قبل العرس أي أثناء فترة العقد وطلقة أخرى بعد العرس وبعد الطلقة الأولى لم تعتد أمي وأعادها بدون شيء ومن ثم كان العرس، وبعده طلقها طلقة وأرسل سؤالا لابن باز ـ رحمه الله ـ فقال له إن العقد باطل وكل الطلقات غير محسوبة, وعندما كانت الفتوى هكذا من ابن باز ـ رحمه الله ـ طلق أبي والدتي 4 طلقات في مناطق مختلفة وفي أزمان مختلفة, الأولى قال لها: أنت طالق ـ وكانت حينها في الدورة الشهرية، والثاني كذلك, والثالث قال لأمي طالق إن لم تفعلي كذا, وأمهلها 3 أياما فعارضت أمي قوله ولم تستجب له بعد الثلاثة أيام, وبعدها قال إنه كان يقصد بها اليمين والحلف ولم يقصد بها الطلاق وقال بأن هذا قد أفتى به شيخ الاسلام ابن تيمية, وأما الرابع فقد وقع على أمي وهي لم تكن حائضا ولم يعلق الطلاق على شرط، بل نطقها بقوله: طلاق ـ كما في الأولى والثانية فيصبح الآن إجمالي الطلقات 6 طلقات, طلقتين أفتى بهما الشيخ ابن باز وأريد أن توضحوا لي ذلك أيضا، و4 طلقات بعد فتواه ـ رحمه الله ـ وللعلم فإن أبي من الملتزمين بالدين وأنا أعرفه كما أعرف نفسي وهو لا يرضى على نفسه الحرام ولو مات ولو قطع، وسؤالي: هل إن كانت المرأة حائضا لا يقع عليها طلاق مهما كان؟ وما هو وضع أبي الآن؟ وأما عمي فهو لا يعلم إلا أن أبي طلق أمي 3 طلقات, الاثنتين التي أفتى بهما ابن باز والأخيرة, وجدتي تقدس كلام عمي وقد قال لها بأن أبي وأمي يعيشان مع بعضهما في الحرام وهو يفتي هكذا بناء على علمه بالطلقات الثلاث التي يعرفها, وعمي لم يصارح أبي بما يراه من حرام في عيشهما, بل إنه هو من أصلح بينهما آخر مرة, المهم أنه وصل أبي خبر أن عمي قال بأنه يعيش في الحرام مع أمي, فذهب إلى جدتي وعمي وسألهم فعمي صمت ولم ينكر ولم يثبت وقد وصلنا خبر من أكثر من مصدر حتى من ابنه ـ ابن عمي ـ أنه قال ذلك, وقد وصلني خبر من بنت عمي شخصيا أن أباها قال ذلك، وأما هو فعندما سأله أبي لم ينكر ولم يثبت وإنما تبسم ابتسامة الساخر, وأما جدتي فأنكرت وحلفت بأنه لم يحدث وهو معروف عند جدتي بالكذب، فلطالما تقول الشيء ثم تنكره وقد وقع ذلك أمام عيني, وبعد أن حلفت صاحت ومزقت ولطمت وولولت وغضبت من أبي، وأبي ساكت ولم يسئ بحرف وكان يستوضح منهم بكل أدب، المهم أن أبي خرج وهو حزين من ذلك، لأن: ظلم ذوي القربي أشد مضاضة ـ والآن أبي قاطعها بعد ما تكلمت في عرضه وعرض زجته التي هي أمي، لأنه كان كلما زارها قالت له كلاما عن أخيه، أو عن أخته ـ عمتي ـ وكان أبي لا يذهب من عندها إلا وهو حزين فبما ذا تفتونا في ذلك أثابكم الله وما ترون واجبي تجاه عمي وأبي وجدتي؟ وهل يدخل ما قاله عمي وجدتي ضمن القذف؟ وهل لو كان عمر ابن الخطاب حيا لأقام عليهم الحد؟ وأسال الله لكم العلم والفهم والثبات في الدنيا والفردوس ومجاورة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد تبين من سؤالك عدة أمور وتفصيل الجواب عليها كما يلي:

أولا: والدك تلفظ بالطلاق ست مرات:

1ـ الطلقة الأولى ذكرته أنه نطق بقوله: طلاق ـ فإذا كان الذي نطق به هو هذا اللفظ بدون إسناد للزوجة فهذا يعتبر كناية طلاق، كما سبق في الفتوى رقم: 119183.

فإن لم ينوه فلا شيء عليه، وإن نواه، أو كان مسندا إلى الزوجة فإنه يعتبر طلاقا، وإن كان ذلك قبل الدخول وقبل خلوة شرعية فقد بانت منه ولا عدة عليها ولا تصح رجعتها ولا تحل لزوجها إلا بعقد جديد إن أرادت ذلك، جاء في المغني لابن قد امة: أجمع أهل العلم على أن غير المد خول بها تبين بطلقة واحدة ولا يستحق مطلقها رجعتها، وذلك لأن الرجعة إنما تكون في العدة ولا عدة قبل الدخول، لقول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ـ فبين الله سبحانه أنه لا عدة عليها فتبين بمجرد طلاقها وتصير كالمدخول بها بعد انقضاء عدتها لا رجعة عليها ولا نفقة لها، وإن رغب مطلقها فيها فهو خاطب من الخطاب يتزوجها برضاها بنكاح جديد. انتهى.

وعلى هذا التقدير تعتبر الطلقات الخمس الواقعة بعد هذا الطلاق لغوا لوقوعها بعد انقطاع العصمة فلم تصادف محلا، جاء في الموسوعة الفقهية: كما اتفقوا على أنه إذا طلقها مرة واحدة, ثم طلقها ثانية بعد انقضاء عدتها أن الثانية لا تقع عليها, لعدم كونها محلا للطلاق لانقضاء الزوجية بالكلية, والطلاق خاص بالزوجات. انتهى.

وإن كان هذا الطلاق الأول قد حصل بعد خلوة شرعية من غير دخول فتصح الرجعة ـ قبل تمام العدة ـ بعده عند الحنابلة خلافا للجمهور، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 144771.

وأما إن كانت بعد الدخول فإنها تكون رجعية عند الجميع وقد افترضنا هذه الافتراضات، لأن قولك قبل العرس غير صريح في انتفاء الخلوة، أو الدخول إذ هو يطلق على وليمة النكاح، وليس للوليمة أثر في إيجاب العدة، أو نفيها.

2ـ الطلقة الثانية بلفظ: طلاق ـ مثل الأولى ـ والقول فيها كالقول في الأولى إن كانت الزوجة باقية في عصمته لكونه راجعها في عدتها.

3ـ الطلقة الثالثة وصيغتها: أنت طالق ـ وهو لفظ صريح لا يحتاج لنية وبالتالي، فيقع بها الطلاق إن كانت الزوجة باقية في عصمته، لكونها ما زالت في عدتها من طلاق رجعي، أو كان قد ارتجعها، والحيض لا يمنع وقوع هذا الطلاق عند الجمهور خلافا لابن تيمية ومن وافقه.

4ـ الطلقة الرابعة وهي بلفظ ـ أنت طالق ـ مثل الأولى ـ وتعتبر غير نافذة إن سبقتها ثلاث طلقات، فإن سبقتها طلقة واحدة، أو اثنتين فهي نافذة إن كانت الزوجة باقية في عصمته. 

5ـ الطلقة الخامسة معلقة على عدم فعل معين وقد حصل فيها الحنث وتعتبر لاغية إن سبقتها ثلاث طلقات فأكثر، فإن سبقها أقل من ثلاث فهي نافذة عند الجمهور إن كانت الزوجة باقية في العصمة أيضا.

6ـ الطلقة السادسة وصيغتها: طلاق ـ بدون إسناد، والقول فيها كالقول في الأولى والثانية بالنسبة للصيغة وكالقول في الباقي بالنسبة لبقاء العصمة ولعدد الطلقات، وكل ما ذكر هو على مذهب الجمهور، أما مذهب شيخ الإسلام فإن الطلاق لا يقع إن كان في حيض، أو نفاس، أو تعدد في طهر، أو وقع في طهر حصل فيه جماع، أو قبل رجعة، أو تجديد عقد، وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 129665.

ثانيا ـ الواجب على أبيك إن كان قد بقي شيء من العصمة ولم تكن الزوجية قائمة بينه وبين زوجته حسبما ذكر من التفصيل هو بأنه لم يكن قد استوفى الطلقات الثلاث الابتعاد عن زوجته حتى يجدد العقد عليها بحضور وليها مع شاهدي عدل وصيغة دالة على العقد، وعليه أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى ويكثر من الاستغفار، وأولاده من هذه المرأة لاحقون به إذا اعتقد صحة النكاح، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: ومن نكح امرأة نكاحا فاسدا متفقا على فساده، أو مختلفا في فساده، فإن ولده منها يلحقه نسبه ويتوارثان باتفاق المسلمين. انتهى.

ثالثا: لا يجوز لجدتك ولا لعمك الخوض في عرض أبيك وزوجته، لقوله صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام ـ دمه وماله وعرضه. رواه مسلم وغيره.

كما لا يجوز لجدتك نقل كلام بعض أبنائها للبعض الآخر لدخول ذلك في عموم النميمة والتي ثبت تحريمها والوعيد في شأنها، وراجع التفصيل في الفتوى رقم: 117695.

رابعا: لا يجوز لأبيك هجران أمه بسبب ما صدر منها، بل الواجب عليه برها والإحسان إليها وصحبتها بالمعروف كما يحرم عليه هجران أخيه وقطيعته، وعليك نصحه وتنبيهه على حرمة ذلك وشناعته، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 17754.

خامسا: يجب عليك بر أبيك والإحسان إليه ومصاحبته بالمعروف، كما يجب عليك أيضا بر جدتك، لأن الأجداد في وجوب البر والصلة مثل الآباء، وراجع في ذلك الفتويين رقم:9213، ورقم: 62781.

كما يحرم عليك هجران عمك لوجوب صلة رحمه وحرمة قطيعته، ومقدار صلة الرحم يرجع فيه إلى ما تعارف عليه الناس عادة فعليك صلته بحسب ما يعتبر صلة في عرف بلدك، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 142825.

سادسا: ما تحدث به عمك وجدك من حرمة أمك على أبيك لا يعتبر قذفا يوجب الحد الشرعي، وراجع للفائدة في الفتوى رقم: 126969.

ثامنا: بخصوص فتوى الشيخ ابن باز ـ رحمه الله تعالى ـ فلم نقف على ملابساتها وكيف كان السؤال الموجه إليه وبالتالي، فلا نستطيع الكلام عنها، وكل ما يمكننا قوله عنها هو أن ابن باز من أعلم أهل زمانه.

وأخيرا ننبه على ضرورة الحضور لمحكمة شرعية، أو مشافهة أهل العلم الثقات لحكاية تفاصيل حقيقة ما صدر نظرا لما في هذه المسألة من تعقيدات واحتمالات كثيرة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة