الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعلى مراتب عقوق الوالدين

السؤال

ماحكم هجران البنت لأمها بسبب رفضها مقاطعة بقية أخواتها لخلاف بينهما على الرغم من غلطها في حقهم . وكيف ينظر الشرع لأذيتها لأمها بتصرفاتها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن حق الوالدين هو آكد الحقوق بعد حق الله تعالى، وحقهما يكون في البر والطاعة والاحترام والإكرام والإنفاق عليهما إن احتاجا ورعايتهما والقيام بشأنهما، وإنما كان حقهما بعد حق الله مباشرة، لأنهما السبب في الوجود بعد الله عز وجل، ولأنهما بذلا في سبيل تربية الولد من الجهد ولقيا في ذلك من المشقة مالا يعلمه إلا الله، فلهذا قال جلا وعلا:وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا [النساء:36]. وقال تعالى:وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا [الإسراء:23].
وهذا حق تنادي به الفطرة ويوجبه العرفان بالجميل، ويتأكد ذلك في حق الأم فهي التي قاست من آلام الحمل والوضع والإرضاع والتربية... ما قاست، ولهذا قال الله تعالى:وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً [الأحقاف:15].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة : أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال: أمك، قال : ثم من ؟ قال : أمك، قال:ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أبوك.
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من أكبر الكبائر بل جعل مرتبته بعد الشرك بالله تعالى، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا، قالوا: بلى يارسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس - فقال : ألا وقول الزور وشهادة الزور، فمازال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. ، ولا شك أن هجر الأم ومقاطعتها يمثل أعلى مراتب العقوق، لذلك فهو أمر محرم تحريماً مغلظاً، وكذلك لا يجوز لهذه البنت أيضاً أن تقاطع أخواتها وتهجرهم، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلا ث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. متفق عليه.
بل تجب عليها صلتهن كما يجب عليهن ذلك لها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ. حَتّىَ إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ. أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَىَ. قَالَ: فَذَاكِ لَكِ".
ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمّهُمْ وَأَعْمَىَ أَبْصَارَهُمْ. أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلىَ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:32-33]. متفق عليه
والخلاصة : أنه لا يجوز لهذه البنت مقاطعة أمها بحال من الأحوال، فهذا من العقوق الذي حرمه الله تعالى، كما يجب عليها أن تصل أخواتها، ونصيحتنا لها هي أن تتقي الله تعالى وتبادر بالتوبة والتواصل مع أمها وأخواتها وتكون هي البادئة حتى تنال الخيرية "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني