الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما يستعمل في الحلال وفي الحرام من السلع، الأصل جواز بيعه ما لم يعلم أن المشتري سيستعمله في أمر محرم، فلا يجوز البيع له في هذه الحالة، ومن جملة ذلك أدوات التجميل ووسائله التي ذكرتها السائلة، فالأصل في بيعها الجواز، إلا لمن علم أو غلب على الظن أنها ستستخدمها على هيئة محرمة كالمتبرجات، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 110318.
وأما مسألة جهاز تكبير الشفاه أو الصدر، فلا يدخل ذلك في التغيير المحرم لخلق الله، وراجعي فيه الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 61303، 117820، 73307.
وأما استعمال زيت الحية أو الأفعى استعمالا ظاهريا، فهو مبني على حكمه من حيث الطهارة أو النجاسة، وجمهور العلماء على أن الحية من الخبائث وأنها غير مأكولة اللحم، فحكمها حكم الميتة حتى وإن ذكيت، وشحمها له حكم لحمها من حيث النجاسة، فلا يشرع استعماله إلا إذا كان من باب التداوي حيث لا يوجد غيره، فهو عندئذ مما اختلف أهل العلم في جواز الانتفاع به وفي جواز بيعه، قال الإمام الشافعي في الأم: فإن كان يعالج به من ظاهر شيء لا يصل إلى جوف، ويكون إذا كان طاهرا مأمونا لا ضرر فيه على أحد موجود المنفعة في داء، فلا بأس بشرائه ولا خير في شراء شيء يخالطه لحوم الحيات الترياق وغيره؛ لأن الحيات محرمات لأنهن من غير الطيبات، ولأنه مخالطة ميتة. انتهى.
وقال أبو محمد ابن قدامة في المغني: ذكر الخرقي أن الترياق لا يؤكل لأنه يقع فيه لحوم الحيات، فعلى هذا لا يجوز بيعه لأن نفعه إنما يحصل بالأكل وهو محرم فخلا من نفع مباح فلم يجز بيعه كالميتة، ولا يجوز التداوي به ولا بسم الأفاعي. انتهى. وقال أيضا: على قول أحمد: كل انتفاع يفضي إلى تنجيس إنسان لا يجوز، وإن لم يفض إلى ذلك جاز، فأما أكله فلا إشكال في تحريمه. انتهى.
وقال أبو الفرج ابن قدامة في الشرح الكبير: اختلفت الرواية في الاستصباح بالزيت النجس، فروي عنه أنه لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم في السمن الذي ماتت فيه الفأرة: وان كان مائعا فلا تقربوه. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن شحوم الميتة تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال: لا، هو حرام. متفق عليه. وهذا في معناه وهو قول ابن المنذر. وعنه إباحته؛ لأن ذلك يروى عن ابن عمر وهو قول الشافعي لأنه أمكن الانتفاع به من غير ضرر فجاز كالطاهر، وهذا اختيار الخرقي، فعلى هذا يستصبح به على وجه لا تتعدى نجاسته، إما أن يجعل في إبريق ويصب منه في المصباح ولا يمس، وإما أن يدع على رأس الجرة التي فيها الزيت سراجا مثقوبا ويطبقه على رأس إناء الزيت، وكلما نقص زيت السراج صب فيه ماء بحيث يرتفع الزيت فيملأ السراج، وما أشبه هذا. وعلى قياس هذا: كل انتفاع لا يفضي إلى التنجيس بها يجوز، ويتخرج على جواز الاستصباح به جواز بيعه. انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى: سم نحو الحيات نجس، كما صرح به جمع متقدمون ومتأخرون. اهـ
وقد نص بعض أهل العلم على أن جلد الحية لا يطهر لا بالذبح ولا بالدباغ، جاء في حاشية الطحاوي على المراقي: الدباغة لا تطهر إلا في محل يقبلها وإلا فلا، كجلد الحية .. فإنها لا تطهر بها كاللحم، وكذا لا تطهر بالذكاة لأنها إنما تقام مقام الدباغ فيما يحتمله. انتهى.
وفي حاشية رد المحتار: إطلاقهم النجاسة في جلد الحية وإن كانت مذبوحة؛ لأن جلدها لا يحتمل الدباغة. اهـ
ويجدر التنبيه هنا على أن من أباح أكل الحيات من أهل العلم كالمالكية اشترطوا أمن سمها، كما اشترطوا ذكاتها بطريقة شرعية، فقد قال العلامة خليل في مختصره ضمن مباحات الطعام: وحية أمن سمها. فقال الخرشي في شرحه: كلام أهل المذهب يفيد أنه لا بد في الذكاة التي يؤمن بها السم أن تكون في حلقها وفي قدر خاص من ذنبها وإلا لم تؤكل وإن أمن سمها؛ لعدم حصول الذكاة الشرعية فيها بعدم قطع الحلق، وأما الذكاة التي تطهر بها فهي كذكاة غيرها، كما يفيده قول أبي الحسن، فموضع ذكاتها حلقها، وهو موضع الذكاة من غيرها. انتهى..
وفي مواهب الجليل: إذا ذكيت الحيات في موضع ذكاتها ، فلا بأس بأكلها لمن احتاج إليها. اهـ
وإذا تقرر ما سبق، فالراجح أن زيت الحيات وشحمها نجس، فلا يجوز الادهان به على سبيل التداوي إلا في حال الضرورة حيث لا يسد غيره مسده، وراجع في حكم التداوي بالمحرمات الفتوى رقم: 6104.
وجاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على عدم جواز التداوي بالنجس من حيث الجملة إلا في حالة الضرورة. انتهى.
والله أعلم.