السؤال
لي صديق أحبه جدا ويحبني أيضا، كان بيننا تواص بالحق ومشاريع إيمانية رائعة، لكن حبه لي وصل لدرجة التعلق المذموم، فانقطعنا عن بعضنا لفترة لغاية التخلص من هذا التعلق، فمن الطبيعي أنه عانى فترة من الحزن والصدمة، لكن بعد ذلك تخلص من التعلق، ولله الحمد. ومع ذلك كان لا يزال محافظا على دينه حتى اجتمع مع مجموعة شباب من المسجد ليسوا من المحافظين على دينهم بشكل حقيقي، حتى وصلني خبر أنه رجع لمشاهدة الأفلام وسماع الأغاني، وعاد لمكالمة ابنة عمته المخطوبة التي كان يحبها سابقا وغيرها من البنات، حتى أنه واعدها ليخرجوا لشراء الملابس مع بعضهم، وسيذهب معها إلى عرس والده وسيرقص معها، وسيأخذها إلى إحدى الحفلات بصحبة أصدقائه، وكل هذا بحجة أن خطيبها لا يستحقها وهي مرغمة عليه، علما بأنه يعرف أن ما يفعله جريمة؛ لأنها مخطوبة علاوة على أنه يعرف أن كل ما يفعله حرام، وكنتيجة لما سبق ما عاد يستيقظ لصلاة الفجر، مع أني دائما أوقظه لها عن طريق الهاتف، بل تساهل فيها مرة فاستيقظ ولم يرد أن يقوم للصلاة. وسؤالي الآن ذو شقين أرجو الإجابة عليهما رجاء حارا.
الأول: كيف يمكنني أن أرجعه إلى طريق الله بعد كل هذا، علما أنه لا يحب أن أتحدث معه في شأن المعاصي، لأنه يشعر بالخنقة على حد زعمه، وأعترف أنا بخطئي إذ أثقلت عليه بالنصائح، وكنت أنفعل جدا وأعصب، حتى وصل به الحال إلى الكذب علي حتى يتجنب نصائحي الشديدة المتوالية؟
الثاني: أنني صرت في ضيق شديد من شدة حرقتي عليه، فما عادت ابتسامتي على وجهي كما تعود علي الناس حتى أنهم شعروا بذلك، وأثرت نفسيتي على دراستي وأكلي، وصرت أتضايق جدا إذا تواجد مع أصحابه الذين يعاونونه على المعاصي، هل هذا الشعور بهذا الحد ممدوح شرعا، وإذا كان ليس محمودا شرعا، فلم أصبت به؟ أرشدوني بارك الله بكم. أرجو الإجابة على شقي السؤال. بارك الله بكم ونفع بكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنتما بإغلاق الباب على الشيطان، فإنه أراد أن يكيد لكم ليجعل من هذه العلاقة في الله تعالى علاقة محرمة، تقوم على العشق المحرم، والذي قد يؤدي إلى ما هو أعظم جرما وأشد إثما. فجزاكما الله خيرا.
وإن صح ما ذكرت عن صديقك هذا، فإنه قد وقع في مصيدة الشيطان، فرده من الهدى إلى الهوى، وإن كانت هذه الأفلام التي يشاهدها أفلاما مخالفة للضوابط الشرعية، وكذا الأغاني التي يسمعها، فإنه أتى أمورا منكرة. وانظر الفتويين: 27224 ، 987.
وابنة عمته هذه أجنبية عليه، سواء كانت مخطوبة أم لا، فخروجه معها إلى السوق وغيره، وذهابه معها إلى الحفلات ورقصه معها كلها أمور محرمة يجب عليه الحذر منها. وعدم استيقاظه للفجر تثبيط من الشيطان الذي جثم على قلبه، وهو نتيجة لفعل الحرام، وأثر سيء من آثار الذنوب والمعاصي. أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن للسيئة ظلمة في القلب، وسوادا في الوجه، ووهنا في البدن، وضيقا في الرزق، وبغضا في قلوب الخلق.
وهذا من جهته هو، وأما من جهتك أنت فقد أحسنت بحرصك على إيقاظه لصلاة الفجر وبشفقتك عليه وقيامك بنصحه، ثبت الله لك الأجر. ولكن ينبغي أن تكون حكيما في سبيل تخليصه مما هو فيه، فاستعن بالله أولا ليعينك في هذه المهمة، فأنت في حاجة إلى عونه. وقد أحسن من قال:
إذا لم يكن عون من الله للفتى *فأول ما يجني عليه اجتهاده
وعليك أيضا أن تتخوله بالموعظة باختيار الوقت والحال المناسبين، ولمزيد الفائدة بهذا الخصوص راجع الفتوى رقم: 155631.
وإذا بذلت الأسباب فاترك الأمر لله، فإن شاء وفقه للهداية، وإن شاء خذله، وما عليك إلا البلاغ، فلا ينبغي أن تذهب نفسك عليه حسرات، أو تهلك نفسك لكونه لم يهتد أو يتب، قال تعالى:(إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب)[الرعد ] وقال:( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا)[ الكهف ].
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 155725.
والله أعلم.