السؤال
سؤالي يكمن في أنني في هذه الأشهر الأخيرة أصبحت أرتكب ذنوبا كثيرة من نميمة وسماع أغاني ومشاهدة الحرام، وذنوب أخرى أستحي من ذكرهاعلى أساس أنني أتعلم وأريد التوبة النصوح، حاولت كثيرا ولكني فشلت، فنفسي الأمارة بالسوء هي التي تغلب دائما، مع العلم أنني لم أكن هكذا، بل كنت دائما أجاهد للسير في الطريق السليم، ولكني الآن ضعت في مغريات الدنيا. أفيدوني - جزاكم الله خيرا- لأفوز بالجنة، فكيف أتوب؟ ومن يساعدني؟ وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي ـ هداك الله ـ أن السبب فيما حصل لك هو الانهماك في المعاصي والإكباب عليها، وذلك أن المعاصي يجر بعضها إلى بعض، ويحمل بعضها على بعض، فقد أرخيت لنفسك العنان وتساهلت في فعل بعض المعاصي، فجرك ذلك إلى ما وراءه حتى آل الأمر إلى ما تذكرين من صعوبة الإقلاع عن المعاصي والتوبة منها، يقول ابن القيم ـ عليه الرحمة ـ مبينا ما للطاعات والمعاصي من تأثير في استدعاء غيرها والحمل عليه:
ومنها ـ أي من آثار الذنوب والمعاصي ـ أن المعاصي تزرع أمثالها، وتولد بعضها بعضا، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى إلى جنبها: اعملني أيضا، فإذا عملها، قالت الثالثة كذلك وهلم جرا فتضاعف الربح، وتزايدت الحسنات، وكذلك كانت السيئات أيضا، حتى تصير الطاعات والمعاصي هيئات راسخة، وصفات لازمة، وملكات ثابتة، فلو عطل المحسن الطاعة لضاقت عليه نفسه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأحس من نفسه بأنه كالحوت إذا فارق الماء، حتى يعاودها، فتسكن نفسه، وتقر عينه، ولو عطل المجرم المعصية وأقبل على الطاعة، لضاقت عليه نفسه وضاق صدره، وأعيت عليه مذاهبه، حتى يعاودها، حتى إن كثيرا من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها، ولا داعية إليها، إلا بما يجد من الألم بمفارقتها. انتهى.
فإذا علمت هذا فالعلاج بيدك أنت، وهو لا يحتاج منك إلا جرعة صبر على مخالفة الهوى والنفس الأمارة بالسوء، تتجرعينها مع استعانة بالله تعالى وتوكل عليه وصدق في التوبة، وأنت متى جاهدت نفسك مجاهدة صادقة فإن الله تعالى سيعينك ويوفقك لما فيه رضاه، وذلك أنه تعالى يقول: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا { العنكبوت:69}.
فيمتنع لهذا الخبر الصادق أن يجاهد العبد نفسه في ذات الله مجاهدة حقيقية ثم لا يعان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه ابن عباس: احفظ الله يحفظك.
فمن حفظ الله بطاعته وحفظ حدوده وأوامره ونواهيه حفظه الله ووفقه للمزيد من ذلك، كما قال تعالى: ويزيد الله الذين اهتدوا هدى {مريم:76}.
فتوبي إذن توبة صادقة، واجتهدي في فعل النوافل والإكثار من الحسنات الماحية، فإن الحسنات يذهبن السيئات، ومما يعينك على التخلص من هذه المعاصي أن تعلمي أثرها السيئ على العبد في دينه ودنياه، وراجعي في هذا المعنى كتاب الجواب الكافي للعلامة ابن القيم فإنه نافع جدا، وأيضا فعليك بصحبة الصالحات من أخواتك المستقيمات على الشرع اللاتي يحملنك على الخير، ويحثثنك على فعله، فإن صحبة الصالحين من أعظم ما ينتفع به التائب إلى الله عز وجل، كما أن صحبة الأشرار من أعظم ما ينصبه الشيطان للعبد من الشراك.
والله أعلم.