يرجى للتائب أن يؤمنه الله من العقوبة الدنيوية والأخروية

0 298

السؤال

أنا شاب كنت عاصيا لعدة سنوات حيث أدمنت مشاهدة المواقع الإباحية ودائما ما أتوب وأستغفر الله وأندم ثم لا تمر فترة حتى تغلبني نفسي فأعود إلى تلك المواقع وأخذت حالتي بالتدهور فأصبحت كثير الشجار مع أبي وضيعت دراستي الجامعية حتى فصلت منها ثم أبدلني الله بجامعة أخرى فحمدت الله تعالى وتبت من هذه المعصية، لكن نفسي غلبتني عدة مرات ثم من الله علي بأن تبت توبة نصوحا ـ ولله الحمد ـ وأنا الآن بعيد عن هذه المواقع وقد بغضها الله إلي وأصبحت بارا بأبي، ولكنني أخاف من عقاب الله الدنيوي قبل الأخروي، فقد سمعت من أحد المشايخ أن هذه الذنوب لها عقاب في الدنيا فخفت من هذا وأصابني غم وهم حتى لم أعد أرتاح في نومي واعتزلت الناس وأصبحت أوسوس وأتخيل العقاب حتى ضاق صدري وبدأت أفكر في العزوف عن الزواج بعد أن فكرت فيه، ولكنني لم أترك الاستغفار أبدا ولا الصدقة ومع ذلك أعيش في كدر وهم وخوف، وسؤالي هو: هل علي عقاب وعذاب دنيوي مع أنني تائب ومستغفر؟ وهل هناك أمور وطاعات أفعلها لدفع العقوبة كالاستغفار؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا فأنا في ضيق شديد فرج الله عنكم ووفقكم لما يحبه و يرضاه.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهنيئا لك بالتوبة والبعد عن هذه المواقع وبغضها، ولا شك أن الذنب قد يعاقب صاحبه في الدنيا, فقد قال الله تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى {طه: 124}

وقال تعالى: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون {الروم:41}.

وذكر الله تعلى قصة أهل الجنة في سورة القلم أنهم حرموا منها بسبب عزمهم على حرمان الفقراء منها، ولكن الخطر الأخروي أدهى وأعظم وأطول وأكبر وأبقى وأشد، فقد قال الله تعالى بعد آية طه السابقة: ولعذاب الآخرة أشد وأبقى {طـه:127}.

وقال تعالى في ختام قصة أصحاب الجنة في سورة القلم: كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون {القلم:33}.

وقال تعالى في شأن المكذبين السابقين: فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون {الزمر:  26 ].

وقال تعالى: ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون {السجدة:21}.

وذكرابن كثير في تفسير هذه الآية عن جماعة من السلف أن معنى العذاب الأدنى: مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها، ولكنا نفيدك أنه إذا تاب العبد  توبة نصوحا، فإن الله تعالى يتجاوز عنه، ويغفر له، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه ابن حجر والألباني.

وإذا كان كمن لا ذنب عليه فنرجو أن يؤمنه الله من العقوبة الدنيوية والأخروية، وننصحك بالإكثار من الطاعات، لقوله تعالى: كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم. {الأنعام: 54}.

وقال الله تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم { المائدة:39}.

وقال تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما* يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا* إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما {الفرقان:68، 80}.

وقال تعالى: ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما {النساء:110}

وفي حديث الترمذي: وأتبع السيئة الحسنة تمحها.

هذا ونوصيك بحسن الظن بالله تعالى والإكثار من تلاوة القرآن ومطالعة نصوص الترغيب والترهيب والتأمل في البشائر التي وعد الله بها الطائعين، وما توعد به العصاة والمنحرفين، ونم في نفسك جانب الرجاء دون إهمال الخوف، واعلم أن باب التوبة مفتوح لكل العباد ما لم تطلع الشمس من مغربها أو تبلغ الروح الحلقوم عند الموت، واعلم أن مغفرة الله لا يعظم أمامها ذنب مهما عظم وكثر، لما في قول الله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم* وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون { الزمر:53ـ54}.

وفي الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي.

وفي حديث الترمذي: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات