الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإننا ننصح أولا بالحذر من الغضب، فإنه أصل كثير من الشرور، وقد ورد في التحذير من الغضب ما رواه البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارا، قال: لا تغضب.
وهنالك وسائل لعلاج الغضب سبق ذكرها بالفتوى رقم: 8038.
كما ننبه إلى أن الحلف بالطلاق غير مشروع فلا يجوز للمسلم أن يحلف بغير الله تعالى، للحديث المتفق عليه: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت.
ويشتد النهي أكثر إذا كان ذلك بأيمان الطلاق، لأنها من أيمان الفساق، كما ورد في ذلك حديث اختلف في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: الطلاق والعتاق من أيمان الفساق.
وانظر الفتوى رقم: 138777.
وأما الآن وقد وقع ما وقع فإن هذه اليمين تعد من قبيل الطلاق المعلق وهو يقع بمجرد حصول المعلق عليه على الراجح، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 51395.
ويستثنى من هذا ما إذا كان الغضب قد وصل بك إلى درجة لا تعي معها ما تقول فلا يلزمك طلاق، أما إن كنت بخلاف ذلك فالطلاق لازم بمجرد حصول المعلق عليه على رأي الجمهور القائلين بوقوع الطلاق المعلق، وانظر الفتوى رقم: 11566.
وأما عن الاحتمالات التي ذكرت: فإنه يبعد احتمال قصد ما كان قد ركب من المطبخ سابقا، لأنك قلت لن أركب المطبخ، وقد ذكر أهل العلم أن لن حرف نفي ونصب واستقبال للمضارع -كما في شروح جمع الجوامع- فهي تفيد نفى المستقبل، وأما نفي الماضي فيكون بلم ولا يكون بلن، وإذا تقرر أن ظاهر اللفظ هنا يراد به المستقبل، لأن النفي حصل بلن فإنه يبقى احتمال قصد المتبقي من الأجزاء قويا، ولما كنت لا تدري عن نيتك فإنه يرجع إلى البساط والعرف عند فقد النية أو عدم انضباطها، كما قال ابن جزي في القوانين الفقهية: ينظر أولا إلى النية، فإن عدمت نظر إلى البساط، فإن عدم نظر إلى العرف. اهـ.
وجاء في الشرح الكبير للشيخ أحمد الدردير: ما يخصص اليمين أو يقيدها خمسة: النية، والبساط، والعرف القولي، والمقصد اللغوي، والمقصد الشرعي، ثم إن عدمت النية أو لم تضبط، خصص اليمين وقيد بالبساط، وهو السبب الحامل على اليمين، إذ هو مظنة النية وليس هو انتقالا عنها، ومثلوا لذلك بمن أراد أن يشتري شيئا فوجد عليه الزحام، فحلف ألا يشتريه في ذلك اليوم، وبعد قليل خفت الزحمة أو وجده في مكان آخر لا زحام فيه فاشتراه، فإنه لا يحنث، لأن السبب الذي حمله على اليمين هو الزحام وقد زال. اهـ.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين بعد أن ذكر أقوال العلماء ونقل نصوصهم الدالة على اعتبار البساط، قال رحمه الله تعالى: والمقصود أن النية تؤثر في اليمين تخصيصا وتعميما، والسبب يقوم مقامها عند عدمها، ويدل عليها فيؤثر ما تؤثره، وهذا هو الذي يتعين الإفتاء به.
وقال ابن قدامة في الشرح الكبير: ويرجع في الأيمان إلى النية، فإن لم تكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها.
وبناء عليه، فإن مباشرتك بنفسك لما ذكر يحصل بها الطلاق، لأن اللفظ ظاهر في ذلك، وأما لو وكلت النجار وكان العرف جاريا بعدم مباشرتك ذلك بنفسك وإنما يعمله النجارون فيعمل بالعرف في كون أمرك للنجار يحصل به الحنث.
ولو وكلت أخاك فقد اختلف أهل العلم في الحنث بذلك كما جاء في كفاية الأخيار: اعلم أن مدار البر أو الحنث راجع إلى مقتضى اللفظ الذي تعلقت به اليمين، فإذا حلف لا يضرب عبده أو لا يبيع أو لا يشتري فوكل غيره لم يحنث، لأن مقتضى اللفظ أن لا يباشر ذلك بنفسه. نعم إن أراد المعنى المجازي بأن حلف أن لا يشتري الشيء الفلاني وأراد عدم دخوله في ملكه فإنه يحنث، لأنه غلظ على نفسه، ويقاس بما ذكرته ما يشابه ذلك ولا فرق في ذلك بين الحلف بالله أو الطلاق. والله أعلم. اهـ.
وقال ابن قدامة في الكافي: ومن حلف لا يفعل شيئا فوكل من يفعله حنث، لأن الفعل يطلق على الموكل فيه والآمر به فيحنث به؛ كما لو حلف لا يحلق رأسه فأمر من حلقه. اهـ.
وننبه الأخ الكريم أن شأن الطلاق خطير لا تكفي فيه فتوى قد لا يحيط فيها المفتي بملابسات الطلاق، ولذا فعليه بمراجعة المحاكم الشرعية فإنها أقدر على الإحاطة بملابسات الموضوع ثم إصدار الحكم الصحيح.
والله أعلم.