السؤال
أسأل عن والدي فهو تخطى الستين، ولقد أكرمني الله أنا وإخوتي بالزواج والاستقرار، ونحلم أن يتم الله على أبي بنعمة حج بيته الحرام وهو ولله الحمد يملك المال والصحة لذلك، لكنه يخشى أن يطول به العمر أو أن يصاب بأي مرض وهو شديد الحساسية تجاه أن يقدم له أي منا العون والمساعدة بالمال، فهو يعيش هو وأمي من معاشه ويساعده فى ذلك مبلغ مكافأة نهاية خدمته الذى وضعه فى البنك ويأخذ من أرباحه ما يساعده على المعيشة، ولكنه لا ينكر الحج ويعرف أنه فرض ولكنه لا يريد أن يستخدم المال الوحيد الذى يقيه أن يحتاج إلى أحد منا نحن أولاده فى يوم من الأيام. فهل إذا توفاه الله في أي وقت يمكن لأي من أولاده أن يحج له بهذا المال وتكون بذلك حجة صحيحة له وتسقط عنه الفريضة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أشد خطأ هذا الرجل وأعظم تقصيره وتفريطه، والواجب عليكم أن تناصحوه وتبينوا له أنه ما دام قادرا على الحج فإن الحج واجب عليه، وأن عزمه على ترك الحج من كبائر الذنوب وموبقات الإثم، وحسبك قول الله تعالى:ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين. (9آل عمران:97). وقد روي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من ملك زادا وراحلة ولم يحج بيت الله، فلا يضره مات يهوديا أو نصرانيا، ذلك بأن الله قال: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: وقد روى أبو بكر الإسماعيلي الحافظ من حديث أبي عمرو الأوزاعي: حدثني إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، حدثني عبد الرحمن بن غنم أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: من أطاق الحج فلم يحج، فسواء عليه يهوديا مات أو نصرانيا، وهذا إسناد صحيح إلى عمر رضي الله عنه. وروى سعيد بن منصور في سننه عن الحسن البصري، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة فلم يحج، فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين. انتهى.
فليخف هذا الرجل ربه وليتقه وليحذر بأسه ونقمته، وليجعل شكر نعمة ربه عليه وقد وسع له في الرزق وآتاه بسطة من المال أن يقوم بطاعته ويؤدي واجب عبوديته فإن هذا المال إنما أنزله الله ليطاع به ويعبد، ولا يسيئن الظن بربه تعالى، فلا يعتقد أن بذل المال في الحج يعرضه للفاقة والمسألة، فإن الله تعالى أكرم من أن يضيع عبدا بذل ماله في مرضاته بل الحج سبب من أسباب سعة الرزق ونفي الفقر كما قال صلى الله عليه وسلم: تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد، والذهب، والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة. رواه الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وقال حسن صحيح. فإن كان هذا الرجل مصدقا للنبي صلى الله عليه وسلم في خبره فليبادر بالحج وليعلم أنه من أسباب زيادة الرزق والحفظ من الفقر. كما أننا ننبهه على وجوب إخراج المال من البنك إن كان بنكا ربويا وإذا أراد إيداعه فليودعه في أحد المصارف الإسلامية، أو يضارب به في وجه من الوجوه المباحة. وأما إن مات وحاله ما ذكر فقد مات مرتكبا ذنبا عظيما، والواجب أن يخرج من تركته ما يحج به عنه قبل قسمة التركة لأن الحج دين لله تعالى ودينه تعالى أحق أن يقضى، وهذا قول الشافعية والحنابلة، ولتنظر الفتوى رقم 10177. ثم يجتهد في الاستغفار له والدعاء له بالرحمة وأمره مع هذا إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه. فليجنب نفسه هذه المخاطرة العظيمة وليبادر بأداء ما أوجبه الله عليه وليحقق التوكل على الله تعالى فإنه نعم الوكيل.
والله أعلم.