السؤال
والله لا أعرف من أين أبدأ فأنا في دوامة: أعاني من الوسواس في العقيدة لمدة طويلة في البداية كنت أتعذب لأنني كنت أظن أنني كافرة وأنني سأتعذب وفي نفس الوقت لا أستطيع أن أصرف عني الأفكار الكفرية لكن بعد سماعي لأحد الشيوخ وهو يقول إن الله لا يؤاخذ الموسوس ما دام لا يتكلم أو يعمل فاطمأننت كثيرا وخفت عني بشكل ملحوظ، لكن تذكرت أنني في إحدى المرات وفي لحظة يأس قلت بأنني لا يهمني إن كنت كافرة لأنني حينها لم أكن أعلم بالحديث وكنت أظن أنني سأذهب للنار لا محالة كما أنني في إحدى المرات وكنت أعلم بالحديث أي بعد سماعي للمفتي كنت أشكو لأختي ما أعاني منه وأخبرها بما يدور في رأسي وأقول أنا أحس كذا وكذا حينها شعرت أنني أتكلم وأنا مقتنعة أنني لا أريد أن أكون مقتنعة بما يدور في رأسي أنا أحب الإسلام وأتمنى الدخول للجنة وأن يرضى عني الله، فماذا أفعل؟ وهل حينما قلت أنه لا يهمني أن أكون كافرة كفرت؟ وهل تقبل توبتي؟ أي هل علي قول الشهادتين؟ لكن ما يقلقني هو هل إذا قلت الشهادتين تقبل مني التوبة حتى وإن كنت ما زلت في حالة وسواس أي أحس نفسي أني لست موقنة بها؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكرهك لما يحصل عندك من الوساوس الشيطانية، علامة على صحة الاعتقاد وقوة الإيمان، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به ـ فضلا عن اعتقاده ـ إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. انتهى.
وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 7950، ورقم: 12300.
فثقي أنك لم تحصل منك الردة، فمن المقرر عند أهل العلم أن الأصل بقاء إسلام العبد حتى يقوم دليل يقيني ينقل عن هذا الأصل، وقد ذكر أهل العلم أيضا أن من تكلم بكلام يحتمل الردة وغيرها لا يكفر بذلك، كما قال علي القاري في شرح الشفا: قال علماؤنا: إذا وجد تسعة وتسعون وجها تشير إلى تكفير مسلم ووجه واحد إلى إبقائه على إسلامه فينبغي للمفتي والقاضي أن يعملا بذلك الوجه، وهو مستفاد من قوله عليه السلام: ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة. رواه الترمذي والحاكم. اهـ.
وأما عن قبول الله للتوبة وغفرانه لمن تاب فهذا لا خلاف فيه، فإن الله تعالى لم يسد باب التوبة عن أحد من خلقه، ولو كافرا تاب من كفره وأسلم أو منافقا تاب من نفاقه، لقول الله تعالى في الكفار: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف {الأنفال:38}.
ولقوله تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما* يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا* إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما{ الفرقان:68ـ70}.
وقال تعالى في شأن المنافقين: إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين { النساء: 146}.
والتوبة تأتي على كل ذنب بالغا ما بلغ، قال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. {الزمر:53}.
وقال: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات {الشورى:25}.
فلو تشهدت فإنك تعتبرين مسلمة ولا يهم شأن الوسوسة التي تعانين منها، فقد سبق لنا التنبيه على أن المرء لا يؤاخذ بالوسوسة إذا دفعها ولم يعتقدها ولم يعمل بها في الفتويين رقم: 122243، ورقم: 103400.
كما سبق لنا بيان سبل التخلص من الوسوسة وعلاجها في عدة فتاوى، منها الفتاوى التالية أرقامها: 3086، 60628، 2081، 78372.
والله أعلم.