السؤال
فضيلة الشيخ . أنا طالب جامعي مسلم، أبلغ من العمر 22 سنة. أحاول منذ سنة تقريبا حفظ القرآن الكريم ولكنني لا أستطيع. ليكن في علمكم فضيلة الشيخ أنني كنت أمارس العادة السرية بشكل دوري منذ أن كان عمري 16 سنة، تارة في الحمام وتارة أخرى أمام جهاز الكمبيوتر- مستعينا بالمشاهد الإباحية- وتارة في الفراش قبل النوم. أما بالنسبة للصلاة فمنذ صغري وأنا تارة من المصلين وتارة من غير المصلين. لكنني منذ رمضان الأخير ( بعد نهاية رمضان)، قررت أن لا أنقطع عنها، وأنا أجاهد نفسي منذ ذلك الحين، ولكنني خائف من أن لا أستطيع الحفاظ عليها. وأضيف كذلك أنني في صغري( 12 سنة تقريبا) كنت أحلم كثيرا بامتلاك قدر كبير من الأموال فأسخرها كلها في مشاريع لمساعدة الفقراء ، من تلك المشاريع مثلا ، أن أبني مجمعا سكنيا ، دوره السفلي عبارة عن محلات تجارية ، فأستخدم على كل محل شابا فقيرا ، يصبح المحل ملكه بعد أن أسترجع أنا رأس مال المحل. وقد رافقتني مثل هذه الأفكار منذ ذلك الحين ، لكنها اختفت منذ 4 سنوات تقريبا . لعلي أطلت عليكم .
سؤالي هو كالتالي: هل أستطيع أن أحافظ على صلاتي ؟ وكيف ذلك ؟ هل أستطيع أن أنسى الفترة التي قضيتها في مشاهدة الأفلام الإباحية ؟ وهل أستطيع حفظ القرآن والعمل به ؟ وهل سيكون لماضي مع المعاصي ، خصوصا مع الأفلام الإباحية والعادة السرية ، تأثير على معالم شخصيتي ، كأن أكون جبانا مثلا ، لأن من يكون مولعا بالنساء يكون في الغالب من الجبناء؟
وجزاكم الله خيرا قبل الإجابة وبعدها .
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يرزقك توبة نصوحا، وأن يوفقك لما يحب ويرضى، ثم اعلم -وفقك الله- أن العبد إذا أقبل على الله بصدق أقبل الله عليه وقربه منه، فمن تقرب إلى الله شبرا تقرب الله إليه ذراعا، ومن تقرب إليه ذراعا تقرب الله إليه باعا، ومن أتاه يمشي أتاه الله تعالى هرولة، فأحسن الظن بربك تعالى، واعلم أنك إذا صدقت في الإقبال عليه وطلب مرضاته سينيلك ما ترجوه ويعصمك مما تخافه وتحذره، وما دمت قد تبت توبة صادقة فإن التوبة تمحو ما قبلها من الإثم والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فاشغل نفسك بالطاعات، وأكثر من فعل الحسنات، واصحب أهل الخير والصلاح، واجتهد في الدعاء بأن يوفقك الله تعالى ويعصمك من الزلل وجاهد نفسك وهواك في ترك المعاصي والحفاظ على الطاعة، وأكثر من الفكر في الموت وما بعده من الأهوال العظام التي لا عاصم منها إلا صالح العمل، واستحضر مراقبة الله لك واطلاعه على عملك وإحاطته بك، واخش أن تبارزه بما يسخطه من المعصية فيكون وبال ذلك حسرة وندامة عليك، فإذا فعلت ما نوصيك به وبذلت وسعك في مجاهدة نفسك مستعينا بالله تعالى فستحافظ على صلاتك ولن تضيعها، وسيمن الله عليك بحفظ القرآن والعمل به، وستنتفي عنك بإذن الله آثار المعصية في الدنيا والآخرة، وأما نسيان المعصية فإنه ليس مطلوبا بإطلاق، فإن في تذكر المعصية من داعية الندم والاستغفار والاجتهاد في جبرها بالطاعة ما تحصل به للعبد مصالح عظيمة، وقد ناقش ابن القيم رحمه الله هذه المسألة وهي هل الأولى نسيان الذنب أو تذكره ثم قال: والصواب التفصيل في هذه المسألة، وهو أن يقال: إذا أحس العبد من نفسه حال الصفاء غيما من الدعوى، ورقيقة من العجب ونسيان المنة، وخطفته نفسه عن حقيقة فقره ونقصه، فذكر الذنب أنفع له، وإن كان في حال مشاهدته منة الله عليه، وكمال افتقاره إليه، وفنائه به، وعدم استغنائه عنه في ذرة من ذراته، وقد خالط قلبه حال المحبة، والفرح بالله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، وشهود سعة رحمته وحلمه وعفوه، وقد أشرقت على قلبه أنوار الأسماء والصفات، فنسيان الجناية والإعراض عن الذنب أولى به وأنفع، فإنه متى رجع إلى ذكر الجناية توارى عنه ذلك، ونزل من علو إلى أسفل، ومن حال إلى حال، بينهما من التفاوت أبعد مما بين السماء والأرض، وهذا من حسد الشيطان له، أراد أن يحطه عن مقامه، وسير قلبه في ميادين المعرفة والمحبة، والشوق إلى وحشة الإساءة، وحصر الجناية. انتهى.
والله أعلم.