ضوابط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

0 425

السؤال

عندي سؤال أريد أن أسأله لكم: في بلدنا تفتح أماكن المساج، وأئمتنا يهاجمون هذا الفعل عن طريق المنابر ويثير الفتن حتى صار بعدها التخريب والتدمير وإحراق المقرات فبإمكانكم أن تفيدونا وبماذا تنصح الأئمة جزاكم الله خيرا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فلا ريب أن فتح الأماكن المذكورة محرم شرعا إذا كان يحصل فيه مخالفة للشرع من اطلاع الرجال على عورات النساء والعكس، أو مس كل منهما عورة الآخر، وكذا إذا اطلع رجل على ما لا يحل من عورات الرجال أو اطلعت امرأة على ما لا يحل من عورات النساء. فكل هذا محرم يجب النهي عنه والتحذير منه، إلا أن يكون شيء من ذلك يفعل للتداوي فيجوز حينئذ الاطلاع على ما دعت إليه الحاجة من العورة، ولكن لا تطبب المرأة الرجال والعكس إلا للضرورة، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 111151 52595 139182 133317 ويجب على المتصدي لإنكار هذا المنكر إن وجد أن يراعي الضوابط الشرعية، فيبدأ في النهي بالأيسر من التعريف والنصح ثم يترقى إلى التغليظ والتعنيف وهكذا، على ما بينه العلماء في درجات الحسبة.

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: وشرح القول في هذا أن الحسبة لها خمس مراتب كما سيأتي أولها التعريف. والثاني الوعظ بالكلام اللطيف. والثالث السب والتعنيف ولست أعني بالسب الفحش بل أن يقول يا جاهل يا أحمق ألا تخاف الله وما يجري هذا المجرى . والرابع المنع بالقهر بطريق المباشرة ككسر الملاهي وإراقة الخمر واختطاف الثوب الحرير من لابسه واستلاب الثوب المغصوب منه ورده على صاحبه. والخامس التخويف والتهديد بالضرب ومباشرة الضرب له حتى يمتنع عما هو عليه كالمواظب على الغيبة والقذف فإن سلب لسانه غير ممكن ولكن يحمل على اختيار السكوت بالضرب. انتهى.

ويراعي كذلك المصالح والمفاسد فلا يكون إنكاره مؤديا لمنكر آخر أكبر منه، فلا ينكر المنكر إذا كان إنكاره يؤدي إلى مفسدة أرجح، وغالبا ما يكون تصدي آحاد الناس لإنكار المنكر باليد مؤديا إلى مفاسد راجحة، كما أنه لا يجوز إتلاف ما يستعمله مرتكب المنكر في وجه مباح ولا إفساد ماله المحترم لما في ذلك من إضاعة المال.

قال الغزالي رحمه الله في بيان ضابط التغيير باليد: الدرجة الخامسة التغيير باليد وذلك ككسر الملاهي وإراقة الخمر وخلع الحرير من رأسه وعن بدنه، ومنعه من الجلوس عليه، ودفعه عن الجلوس على مال الغير، وإخراجه من الدار المغصوبة بالجر برجله وإخراجه من المسجد إذا كان جالسا وهو جنب. وما يجري مجراه ويتصور ذلك في بعض المعاصي دون بعض. فأما معاصي اللسان والقلب فلا يقدر على مباشرة تغييرها وكذلك كل معصية تقتصر على نفس العاصي وجوارحه الباطنة. وفي هذه الدرجة أدبان أحدهما أن لا يباشر بيده التغيير ما لم يعجز عن تكليف المحتسب عليه ذلك، فإذا أمكنه أن يكلفه المشي في الخروج عن الأرض المغصوبة والمسجد فلا ينبغي أن يدفعه أو يجره، وإذا قدر على أن يكلفه إراقة الخمر وكسر الملاهي وحل دروز ثوب الحرير فلا ينبغي أن يباشر ذلك بنفسه فإن في الوقوف على حد الكسر نوع عسر، فإذا لم يتعاط بنفسه ذلك كفى الاجتهاد فيه وتولاه من لا حجر عليه في فعله. الثاني أن يقتصر في طريق التغيير على القدر المحتاج إليه وهو أن لا يأخذ بلحيته في الإخراج ولا برجله إذا قدر على جره بيده، فإن زيادة الأذى فيه مستغنى عنه، وأن لا يمزق ثوب الحرير بل يحل دروزه فقط. وفي إراقة الخمور يتوقى كسر الأواني إن وجد إليه سبيلا. انتهى.

وكل هذا قد أوضحناه في فتاوى كثيرة، ولتنظر الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 166855، 161369، 131498 111160 فعلى الأئمة وغيرهم من المتصدين لإنكار المنكر أن يراعوا ما ذكرنا من الضوابط، وألا يحملهم الحماس الزائد والغيرة على الشرع على فعل ما لا يشرع، كما لا ينبغي أن يفرطوا أو يتهاونوا في الإنكار، وإنما عليهم أن يزنوا الأمور بميزانها المعتبر شرعا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة