السؤال
هل تقبل شهادة قاذف المحصنات بعد القصاص إن تاب؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس من شك في أن قذف المحصنات من أكبر الكبائر، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات. متفق عليه.
ومع هذا، فإن قاذف المحصنات إذا تاب فتوبته مقبولة وشهادته مقبولة إذا توفر فيه باقي شروط قبول الشهادة، جاء في الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار لابن عبد البر: قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن الذي يجلد الحد ثم تاب وأصلح تجوز شهادته وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك، وذلك لقول الله تبارك وتعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ـ وذهب أبو حنيفة ومن وافقه من أهل العراق إلى أن شهادة القاذف لا تقبل أبدا تاب أو لم يتب واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى: ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ـ وسبب اختلافهم: الاستثناء في قوله تعالى: إلا الذين تابوا ـ هل هو عامل في رد الشهادة أم لا؟ قال الطبري في التفسير: اختلف أهل التأويل في الذي استثنى منه قوله: إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا ـ فقال بعضهم: استثنى من قوله: ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ـ وقالوا: إذا تاب القاذف قبلت شهادته، وزال عنه اسم الفسق، حد فيه أو لم يحد، قال عمر لأبي بكرة: إن تبت قبلت شهادتك، وهذا مذهب الجمهور، وقال آخرون: الاستثناء في ذلك قوله: وأولئك هم الفاسقون ـ وأما قوله: ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ـ فقد وصل بالأبد ولا يجوز قبوها أبدا.
وهذا مذهب أبي حنيفة ومن وافقه.
وقيل لا تقبل شهادته فيما حد فيه ـ قذفا كان أو غيره ـ لأنه يتهم فيه، وتقبل فيما سوى ذلك، والصحيح أنها تقبل في كل شيء ما دام قد تاب وحسن حاله، وهو قول الجمهور، كما قال ابن عبد البر.
والله أعلم.