سبب نفي الظلم عن الله تعالى

0 329

السؤال

يقول أحدهم إن الله سبحانه يفعل في خلقه وملكه ما يشاء، ويعذب من يشاء ولو بغير ذنب، وهو لا يسئل سبحانه عما يفعل وهم يسألون، لأنه مالك الملك وجبار السموات والأرض رب العالمين وخالق الناس أجمعين ومدبر الكون وإله الأولين والآخرين سبحانه جل وعلا، فلا يحق لنا أن نسأل مولانا لماذا قدر علينا المصيبة ولماذا أصابنا ولم يصب غيرنا ولماذا قدر هلاك الحيوان على يد حيوان آخر، فنحن خلقه وعبيده وهذا ملكه يفعل في خلقه وملكه ما يشاء سبحانه، ويقول إن تدخل العبد في الغيبيات وعدم فهم ملكية الله لعباده هو السبب في البلبلة في العقيدة، فالله سبحانه مالك الملك يمتلك الإنسان وما يملك فكيف نحاسبه سبحانه على توزيع ما يملك، فلو كان أحدنا يملك مبلغا من المال وأنفقه في أي مجال هل يحاسبه أحد أبدا؟ ولماذا؟ لأننا احترمنا ملكية العبد لذلك المال رغم أنه قد يكون تصرفه غير رشيد فكيف بنا لا نحترم ملكية الله؟ فالله هو مالك الأرزاق ومالك الأشخاص فليوزع ما شاء لمن يشاء، لأنه يعلم ولا نعلم وهو الحكيم الرشيد، قال تعالى: والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون {71} ويقول كذلك بأن الله عز وجل له أن يفعل بخلقه ما يشاء باعتبار أنه يملكهم، والمالك للشيء حر فيما يفعله فلذلك لا يمكن أن يكون الله ظالما إلا إذا وعد خلقه ثم أخلفهم كوعده للمؤمنين بعدم تعذيبهم في النار, فلو سلط على حيوان من يذبحه لا يسأل عما يفعل والسؤال: هل هذا الكلام يوافق عقيدة أهل السنة والجماعة؟ وما هو حد وماهية الظلم الذي نفاه الله عن نفسه؟.
ملاحظة: أرسلت لكم رسالة عبر هذا البريد أو بريد آخر لعلها وصلتكم عبر أيقونة اتصل بنا نقولات لأهل العلم في معنى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ـ تخالف نوعا ما ما تفتون به.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فالقول بأن الله لا يظلم لكونه مالكا لعباده ومن تصرف فيما يملكه لم يكن ظالما، وحمل جميع ما ورد من النصوص كتابا وسنة في نفي الظلم عن الله تعالى على هذا المعنى هو كلام غير صحيح، ونحن وإن لم نطلع على ما أوردته من النقول، لكننا نعلم أن كثيرا من العلماء قد قرر هذا المعنى ولكن الصواب في خلاف هذا التقرير، وقد أفاض شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم في تقرير هذه المسألة في مواضع، والظلم لغة هو وضع الشيء في غير موضعه، وقد تمدح الله بنفي الظلم عن نفسه ونزه نفسه عنه لكمال عدله وحكمته تبارك وتعالى، وأما التأويل المذكور فغير صحيح في اللغة ولا في المعنى، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وأما من قال: هو ـ أي الظلم ـ التصرف في ملك الغير، فهذا ليس بمطرد ولا منعكس، فقد يتصرف الإنسان في ملك غيره بحق ولا يكون ظالما، وقد يتصرف في ملكه بغير حق فيكون ظالما. انتهى.

وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ مبينا وجه نفي الظلم عن الله تعالى: قد اتفق أهل الأرض والسماوات على أن الله تعالى عدل لا يظلم أحدا، حتى أعداءه المشركين الجاحدين لصفات كماله، فإنهم مقرون له بالعدل ومنزهون له عن الظلم، حتى إنهم ليدخلون النار وهم معترفون بعدله، كما قال تعالى: فاعترفوا بذنبهم { الملك: 11} وقال تعالى: يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين { الأنعام: 130} فهو سبحانه قد حرم الظلم على نفسه، وأخبر أنه لا يهلك القرى بظلم وأهلها غافلون، وقد اختلفت طرق الناس في حقيقة الظلم الذي ينزه عنه الرب سبحانه وتعالى، فقالت الجبرية: هو المحال الممتنع لذاته كالجمع بين الضدين، وكون الشيء موجودا معدوما، قالوا: لأن الظلم إما التصرف في ملك الغير بغير إذنه، وإما مخالفة الأمر، وكلاهما في حق الله تعالى محال، فإن الله مالك كل شيء، وليس فوقه أمر تجب طاعته، قالوا: وهو قول كثير من الفقهاء أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم من المتكلمين، ثم ذكر قول القدرية المتضمن لنفي خلق أفعال العباد ثم قال: وقال أهل السنة والحديث ومن وافقهم: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وهو سبحانه حكم عدل، لا يضع الشيء إلا في موضعه الذي يناسبه ويقتضيه العدل والحكمة والمصلحة، وهو سبحانه لا يفرق بين متماثلين ولا يساوي بين مختلفين، ولا يعاقب إلا من يستحق العقوبة، ويضعها موضعها لما في ذلك من الحكمة، ولا يعاقب أهل البر والتقوى، وهذا قول أهل اللغة قاطبة، وتفسير الظلم بذينك التفسيرين اصطلاح حادث ووضع جديد، قال ابن الأنباري: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، يقال: ظلم الرجل سقاءه إذا سقى منه قبل أن يخرج منه زبده، قال: والعرب تقول: هو أظلم من حية، لأنها تأتي الحفر الذي لم تحفره فتسكنه ويقال: قد ظلم الماء الوادي إذا وصل منه إلى مكان لم يكن يصل إليه فيما مضى، وقال الحسن بن مسعود والفراء: أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وهذا القول هو الصواب المعروف في لغة العرب والقرآن والسنة، وإنما تحمل ألفاظهما على لغة القوم لا على الاصطلاحات الحادثة، فإن هذا أصل كل فساد وتحريف وبدعة، وهذا شأن أهل البدع دائما، يصطلحون على معان يضعون لها ألفاظا من ألفاظ العرب ثم يحملون ألفاظ القرآن والسنة على تلك الاصطلاحات الحادثة. انتهى بتصرف.

وأما قوله تعالى: لا يسأل عما يفعل ـ فليس لكونه مالكا للعباد فحسب، بل إنما لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته وعدله ورحمته وقد تعجز العقول عن معرفة ما له من الحكمة في بعض ما يقضيه ويقدره فليس لأحد أن يعترض على ما قضاه أو أن يتوهم أنه خلاف الحكمة والمصلحة، بل هو تعالى أحكم الحاكمين يضع الأشياء كلها في مواضعها ويوقعها في مواقعها، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله: وهو سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه، وله فيما خلقه حكمة بالغة ونعمة سابغة، ورحمة عامة وخاصة، وهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لا لمجرد قدرته وقهره، بل لكمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته، فإنه سبحانه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وقد أحسن كل شيء خلقه، وقال تعالى: صنع الله الذي أتقن كل شيء. انتهى.

وإن أردت مزيد البسط فراجع المجلد الثامن من مجموع فتاوى شيخ الإسلام وكتاب ابن القيم الكبير في القدر الموسوم بشفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل.

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات